جريدة الأنباء : 12/4/2009
كتب : فيصل الزامل
سمعت هذا السؤال أكثر من مرة، وتألمت لتكرار سماعه، وحسب فهمي فإن ممارسة التصويت هي أداء للشهادة وقد جاء في كتاب الله العزيز (ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا) فهو واجب لابد من أدائه وليكن ذلك على قاعدة «دفع أكبر المفسدتين، وجلب أكبر المنفعتين» كما سمعنا من العلماء، ولكن السؤال لايزال مطروحا عن سبب هذا الشعور بالألم والإحباط الذي أفرز مسلسل العزوف عن الترشيح الذي قام معه الأخ محمد الصقر بالدعوة إلى وقفة مراجعة حسبما جاء في بيانه: «إن أزمة الحكم هي حصيلة تراكم مستمر بدأ منذ أربعين عاما أو تزيد» و«للأسف الشديد لا ألمح في الأفق مؤشرا واحدا يبشر بأن مجلس الأمة المقبل مهيأ لرسالة الإصلاح والتغيير» ولست في هذا المقال مضيفا الكثير إلى طابور التحليلات حول أسباب هذه الأزمة ولكن وصف الأخ محمد لها بأنها تمتد لأكثر من أربعين عاما يعني أنها تتجاوز عهدا واحدا بالنظر الى وجود فوارق بين أكثر من عهد – وذلك في جانبي العلاقة «الحاكم والشعب» – فالأمر يتعلق كما أشار الى «انتشار ثقافة عامة تقوم على تكريس التجاذب» ومنهج التسخيط على الدولة.
بعبارة أخرى، لقد سيطرت ثقافة التلاوم ردحا من الزمن كانت «نفسية التشكيك في الآخر» هي السمة العامة لأي حوار، وبدلا من أسلوب تشجيع أي انجاز «مهما صغر» وصولا إلى زيادته، اتبعنا أسلوب التقليل من شأن أي انجاز «مهما كبر»، حتى تضاءلت الانجازات، ولو مارس أي شخص في بيته أسلوب ازدراء أداء الزوجة وإظهار التبرم من طهي جيد أو لباس حسن أو أي شيء تقوم به وبالمطلق رغم اجتهاد الزوجة، فإنها حتما ستفقد الثقة بالنفس وتشعر بعدم جدوى الاجتهاد الزائد فالنتيجة واحدة، وينعكس ذلك على أدائها في اليوم التالي بالنقص، هذا الأمر يمكن أن يسير في «الاتجاه المضاد» لو سمعت الزوجة عبارة تقدير وابتهاج بما أنجزت «مع طلب تعديل كذا وتحسين كذا» النتيجة ستكون المزيد من العطاء والإتقان، مثل ذلك يقال عن علاقة الأب مع ابنه الذي اذا اعتاد على التقريع و«الزف» اليومي فإنه لن يلقي بالا لأي نصيحة من شخص لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب.
إنها ثقافة مختلفة، ومثلما هي مفيدة في البيوت فهي كذلك هامة لإدارة شؤون الدولة، ومن صور تلك الثقافة – لتقريب الصورة أيضا – ذلك الأب الذي يقود سيارته في شارع مزدحم ويحتاج إلى التركيز الشديد إلا أن ارتفاع ضجيج أهله داخل السيارة واضطراره للكلام مع هذا والرد على ذاك يضعف تركيزه على الطريق، مثل هذه القيادة لابد أن تنتهي إلى حوادث كثيرة بعضها سيكون مدمرا للأسرة بأكملها، وهو أمر يحدث في شوارعنا كثيرا وفي إدارة شؤون الدولة أكثر!
ترى، من يستطيع تحسين الأداء في ظل ثقافة تجمع هذين الڤيروسين القاتلين «التقريع المستمر» و«تشتيت التركيز» علما بأن إدارة دفة الدولة تمت في كثير من الأحيان على يد خيرة العناصر الوطنية من حملة المؤهلات وأصحاب الخبرات، والنتيجة هي هي، ولا فائدة من محاولة حصرها في شخص واحد على طريقة «الإسقاط النفسي» لتحقيق راحة زائفة، الأمر أبعد من ذلك بكثير، انها ثقافة فاشلة يتصور ممارسها أنه سيتصف بالكمال بمجرد أن يمارس التقريع، ويستمتع بثياب الطهارة بمجرد أن يمارس التشكيك، هل نحن مستعدون لتغيير تلك الثقافة؟
كلمة أخيرة:
سأل أعرابي عمر ( رضي الله عنه ) «اني أصبت ظبيا وأنا محرم» فسأل عمر عبدالرحمن بن عوف، فقال: يهدي شاة.
قال عمر للرجل «خذ شاة من الغنم فتصدق بلحمها» فقال الأعرابي «والله ما درى أمير المؤمنين حتى استفتى غيره» فخفقه عمر بالدرة وقال «أتقتل في الحرم وتغمط الفتيا؟ – تستهين بها – إن الله عز وجل يقول (يحكم به ذوا عدل منكم) فأنا عمر بن الخطاب وهذا عبدالرحمن بن عوف».