كتبت روابي البناي:
موضوع اليوم أعزائي، يمس شريحة ليست بهينة منا. فموضوعنا يحكي عن حال بعض الأسر التي تحولت بفعل عوامل الحياة إلى أسر فندقية، وأقصد هنا بالأسر الفندقية تلك التي أخذت على عاتقها توفير السكن والطعام الملائم للأبناء فقط، ونسيت الدور الكبير الذي يلعبه وجود الوالدين في المنزل، ويرتبط بالتنشئة الاجتماعية الصحيحة والوظائف البيولوجية والعاطفية والأمن والضبط الاجتماعي والنفسي وزرع القيم لدى الأبناء.
فللأسف نجد هذه الأيام أن هناك فجوة هائلة بين الأهل وأبنائهم بسبب طريقة الحياة التي ينتهجها البعض، وأيضا بسبب التطور المادي السريع للأسرة. فنحن مجتمع لم نتدرج للحصول على التطورات المادية المتلاحقة، بل وصل كل شيء الينا في أوقات متقاربة وبطرق وفيرة، علاوة على اتصالنا بالعالم الخارجي الذي أصبح أقوى، وأثر بشكل كبير على خصوصياتنا وعلاقاتنا داخل محيط الأسرة وخارجه، ما جعل عملية الحوار بين الأجيال تتسع وتصبح في بعض الأحيان غير مجدية. فنجد الأبناء كثيرا ما يبحثون عن من يفهمهم ويسمع لهم خارج أسوار المنزل، والسبب غياب عمود المنزل، وهو الأب، سواء في عمله أو سفراته أو ملذاته وعبثه.. وانشغال الأم باستقبالاتها وعملها واجتماعاتها وجلساتها مع صديقاتها في الكافيهات وغيرها. وعندما ننظر أين الأبناء نجدهم في حضن ميري وكومار، وهنا تكمن الطامه الكبرى.
فكما ذكرت أننا اليوم نعاني من انتشار الأسر الفندقية التي بدأت بوجود الزوج الفندقي الذي يتخذ من البيت فندقا للنوم فقط، هذا إن كان كريما وجاء الى البيت للنوم غير آبه بمن يعيش معه فيه. فهذا الرجل يتعامل مع شريكة حياته كأنها قطعة أثاث اشتراها أو ماكينة للتفريخ فقط، ويتناسى كل ما تحمله هذه المرأة من مشاعر وأحاسيس وحقوق. فنجده يتركها وحدها مع «كوكش اليهال» تتحمل تربيتهم وتدريسهم، ومراجعة الطبيب بهم، وحل مشاكلهم المدرسية والنفسية، وتأديبهم.. حتى أصبحت تتحمل مسؤوليات الرجل والمرأة في الوقت نفسه.
أما عنتر زمانه فهو لاه بعمله أو جلوسه لساعات من دون أي فائدة تعم عليه، أو على مجتمعه، في المقاهي «يخوزر» في الحريم كأنه مراهق وهو «كبر جدي»، فهل ترضى ياعنتر لأختك أن تعامل بهذه المعاملة نفسها التي تعامل بها زوجتك؟ أم انه حلال على بنات الناس وحرام على اختك؟
طبعا هذه هي المرأة «السنعة» التي تربت على أن المرأة ليس لها إلا بيت زوجها فقط، وأن عليها أن تتحمل وتصبر في سبيل الأبناء، لعل وعسى يهدي الله سبحانه وتعالى هذا «المراهق» الذي بلاها الله به، فيصبح «خوش ريال» ويرجع إلى بيته وأولاده.
لكن الأمر يختلف عند بعض النساء اللاتي ضربن بمشاعر الأمومة والمسؤولية عرض الحائط للأسف، وأقولها بكل حسرة للأسف انهن بدأن يكثرن هذه الأيام. وحتى لا يقال إنني اتحامل على حريم الكويت كما هو دارج، فأنا لم آت بهذه المعلومات من سراب، بل من احصائيات وحوادث مسجلة في سجلات رسمية لوزارة التربية والعدل، تفيد بغياب دور الأم والأب عن مراقبة الأبناء وتربيتهم، خاصة في سن المراهقة، وسيطرة الخدم على تربية هؤلاء الأبناء.
طبعا الكثير منكم سيقول ما هذه المبالغة في الطرح؟ ولماذا هذا التهويل والتشويه لسمعة البيوت الكويتية؟
أنا لا أطلب غير أن يتسع قلبك وعقلك عزيزي القارئ لما سأسطره لك من بعض المواقف التي يمر بها أبناؤنا، وأتمنى أن نحاول جميعا ايجاد حل لهذه المعضلة التي تهدد كل بيت في الكويت لأننا مطالبون بحماية الأبناء الذين هم عماد المستقبل.
أولا: موعد طبيب سبيجه
وكومار السائق
سبيجه طالبة في المرحلة المتوسطة، يعني في سن المراهقة الحرجة، يعني في عز تفتح شبابها وجمالها. تندرج سبيجه من عائلة حالتها المادية فوق الممتازة، الأب مشغول بالاجتماعات والصفقات والسفرات، والأم لاهية بشاي الضحى والاستقبالات والسفرات القصيرة لتجديد حقن «البوتكس» في وجهها وحضور عروض الأزياء. أما الأبناء فيعتبرون في آخر قائمة اولويات هذين الأبوين. والذي أكد لي أنهم في آخر القائمة هو دخول السائق كومار مكتب الاخصائية الاجتماعية في مدرسة سبيجه، ليطلب منها اصطحاب البنت لأن عندها موعد مع الطبيب في مستشفى الصباح.
طبعا لأن الاخصائية الاجتماعية امرأة سوية، اندهشت من طلب السائق وجرأته في طلب البنت، فسألته: هل الأم موجودة؟
فقال: لا مدام ماما بالبيت.. انا يبي سبيجه علشان في موعد طبيب.
فقالت له: لا يمكن أن أسلمك البنت.
فاتصل هذا السائق بالبيت وطلب من الخادمة أن تطرق الباب على «ست الحسن والجمال» الأم لكي تحدث الاخصائية. وفعلا، بعد مضي ربع ساعة، اتصلت الأم وصوتها مليء بالنوم.
قالت لها الاخصائية: يا أم سبيجه ترا السايق عندي وطالب ياخذ البنت.
فردت الأم بكل برود: الله يهداج يا فلانة، هذا ولدنا خل ياخذها يوديها الطبيب. انا الحين نايمة مقعديني علشان هالشي؟
تجمدت الإخصائية في مكانها من هول ما سمعت من كلام ينم عن امرأة عديمة الإحساس والشعور. فكيف ترضى بخروج بنت مراهقة يافعة مع سائق شاب يأخذها من المدرسة ويصطحبها لمراجعة الطبيب؟ في أي زمن نحن؟ وما دورك أيتها الأم؟
طبعا رفضت الأخصائية تسليم البنت للسائق، وأمرته بالرجوع من حيت أتى لأن ضميرها صاح ولا يقبل مثل هذه الأمور. ولكن السؤال: لو لم تكن هذه الأخصائية موجودة، وخرجت البنت بصحبة هذا السايق ماذا ستكون العواقب؟
ثانيا : عناق ميري وخليفة
في مدرجات مانشيستر سيتي
شهد الاسبوع المنصرم مباراة مهمة بين فريق مانشيتر سيتي وتشيلسي في المملكة المتحدة، وحرص الكثير من الكويتيين على حضور هذه المباراة كي يمتعوا أنظارهم باللعب النظيف الراقي والاستمتاع بالجو اللندني البارد العليل، والمرور بأسواق لندن التي لا تمل.
لسوء حظي لم أتمكن من حضور هذه المباراة بسبب ارتباطي بالعمل من ناحية، ولأن فريقي المفضل ليفربول لم يكن يلعب هذه المباراة، لذلك لم يكن حضور هذه المباراة ذات أهمية بالنسبة لي، لكنه كان ذات أهمية لكثير من أفراد عائلتي وصديقاتي الذين ذهبوا لحضور هذه المباراة والاستمتاع بالأجواء الحماسية في الملعب.
وقال لي أحد أقربائي الذين حضروا المباراة: كان المعلب مكتظا بالناس، الكل فرحان. وكان المكان الذي نجلس فيه مليئا بالكويتيين والخليجيين، لأن الجميع اشتروا التذاكر من المكان نفسه تقريبا Black Market. وكان يجلس بجانبي بنتان وولدان واضح على بشرتهم وملامحهم أنهم كويتيون (سبحان الله الملح الكويتي يبين) معهم خادمتان. شد انتباهي أحد الأولاد، فقد كان في أشد الحماس والتشجيع، وتشاركه الحماس الخادمة التي تصاحبه. فعندما تكون هناك هجمة لفريقه تجده يقف ويصرخ وهي تساعده، وعندما يسجلون هدفا تجده يضمها ويعانقها ويقبلها، كأنها أمه أو أخته أو حبيبته. ففعلا كان منظره يشد الانتباه.
وما ان انتهى الشوط الأول حتى دنوت منه وفتحت معه حوارا. سألته عن فريقه، فأجاب «مانشيستر طبعا» من دون أي تفكير.
قلت له: إيه والله صج ما يحتاج تفكير.. إنزين انت شسمك وانت من وين؟
فقال: اسمي خليفة وأنا من الكويت.
فقلت له: والنعم يا بودعيج فيك خوش اسم ما شاء الله، متى وصلتوا لندن؟
فقال: أمس بالليل واليوم ان شاء الله راح نرجع. بس تخلص المباراة بنرجع الفندق ناخذ اغراضنا ونروح المطار.
فقلت له: انت هني مع أهلك؟
فقال: لا انا هني مع أختي وصديقتها واخوي الصغير وكوماري وميري.
فقلت له: بس بروحكم؟
فقال: لا قتلك مو بروحنا احنا مع كوماري وميري.. ماتشوفهم؟
فأجبته: نعم أشوفهم. الله يخليهم لك إن شاء الله ويهديهم لك ياخليفة.
قريبي لم يحتمل أن يعود إلى الكويت كي يوصل لي الخبر، فاتصل بي وهو في الملعب وقال لي: روابي شصاير بالدنيا؟ ليش إعيالنا صاروا إرخاص لهذه الدرجة؟
طبعا لم تكن لدي أي اجابة على سؤاله، لأنه صعب جدا. فلماذا هذا التسيب الذي وصلنا إليه؟ ولماذا هذا التفكك الذي وضعنا أنفسنا بأيدينا فيه؟ لماذا هذه الاتكالية على الخدم؟ لماذا هذا التقاعس عن أداء واجباتنا تجاه أبنائنا؟
فأيتها الأم وأيها الأب إن كنتما غير قادرين على تحمل هذه المسؤولية الكبيرة التي أنعم الله بها عليكما وأنتما غير كفوءين لها ولا تستاهلان حمل صفة الأبوة، لماذا تكونان أسرا؟ لماذا تنجبان أطفالا؟
ثالثا: حب وهيام كويتي
على طريقة شاشي كابور
من المحزن والمؤسف في الوقت نفسه ان هناك الكثير من البلاوي التي تكتظ بها البيوت الكويتية، لكن عندما نحاول أن ندق الجرس لاظهارها بهدف المعالجة نجد أن القيامة قامت، لأننا للأسف شعب يحب أن يعيش مثل النعام، يحارب من يحاول النبش في سلبياته وأخطائه، وهذه هي المصيبة.
ولكن في سبيل التوصل إلى حلول تحمي مجتمعي، سأقف وأتحمل كل ما يواجهني من نقد وتوبيخ لأنني في النهاية سأصل إن شاء الله إلى هدفي ومبتغاي الذي أنشده وهو الحل والإصلاح، لكي يرجع المجتمع الكويتي كما كان وأحسن. لهذا سوف أتكلم عن جزئية مهمة جدا وحساسة في الوقت نفسه، وهي علاقة البنت المراهقة بالسائق، على الرغم من أنها تحدث في أضيق الحدود.
قال لي أحد الأشخاص الذين أثق بهم، ويعمل وكيل نيابة، ان مواطنا تقدم بشكوى ضد سائق منزله يتهمه فيها بأنه يمارس الزنى مع الخادمة. وفعلا أحضر السائق الذي كان شابا يافعا يشبه ممثلي الأفلام الهندية (حسب قول وكيل النيابة)، وسيما عريض المنكبين، وتم سؤاله وتوجيه التهمة إليه فأنكر قيامه بمثل هذه العمل.
وبعد الالحاح عليه واتباع اسلوب التهديد والوعيد معه قال بكل ثقة: أنا ما يسوي شي غلط مع خدامة، هذا بابا يسوي غلط مع هذا خدامة كل يوم بالليل. انا ما يسوي، انا يقول صج، انا يسوي غلط مع بنت صغير، انا مع بنت يحب بعض ويبي يسوي زوج. انا خدامة ما يحب هذا خدامة مال بابا.. انا حبيبتي بنت مال بابا.
واستدعي الأب الذي لم يكن له وجه لكي يحط عينيه بعين وكيل النيابة، فتوسل لتسكير القضية من دون فضائح، وطلب منهم أن يمكث السائق عندهم الى حين ترتيب امور سفره من البلاد.
طبعا عزيزي القارئ هذه الأمور لا تعمم على الكل، لكنها للأسف موجودة بشكل كبير في مجتمعنا هذه الأيام، الأمر الذي يتطلب منا جميعا الوقوف صفا واحد لايجاد حل لهذه المعضلة الكبيرة التي تهددنا جميعا وتهدد أبناءنا وكيان مجتمعنا.. أنا وضعت القضية بين ايديكم اليوم، فلنتكاتف ونجد حلولا تحمينا وتحمي أبناءنا من هذا التفكك والانشقاق الأسري والاجتماعي.