روابي البناي
من يعرفني عن قرب يدرك تماما انني اكره المجاملة، وهذا ما يجعلني مكروهة من بعض الذين يعشقون «تمسيح الجوخ» ويرفعون شعار «حاضر طال عمرك» وما أكثرهم هذه الأيام.. وبما انني ابغض المجاملات، فإنني سأتكلم بصراحة عما قام به بعض موظفي الدولة من اضرابات سببت شللا تاما وتعطيل مصالح الدولة.. فأنتم يا من تساومون الحكومة وتضعون تسييركم للأعمال والمهام المنوطة بكم في كفة وتحقيق مطالبكم المالية والوظيفية في كفة.. أين وطنيتكم؟ أين الكويت من خارطة تفكيركم؟ أين ولاؤكم لهذه الأرض التي كبرتكم وجعلت منكم رجالا ونساء؟ هل هذا جزاؤها؟ هل هذا رد المعروف لها؟ أن تهددوا وتضربوا من اجل حفنة دنانير؟
أقولها، وانا مسؤولة عن كل حرف اكتبه، ان من ينادي للإضراب وتعطيل مصالح الدولة يبدي مصلحته على مصلحة ديرته.
وما يحز اكثر بالخاطر ان السمة الطاغية على المجتمع الكويتي الآن هي سمة المادة والبغض والحسد. فالكل يريد والكل يطالب والكل يرفع شعار هل من مزيد؟ وفي المقابل الكل نسي الكويت، الكل نسي خير الكويت.. فانتم يا من اضربتم وعطلتم مصالح الدولة بإضرابكم عن العمل.. من الذي أوصلكم الى المكان الذي انتم فيه؟ اليست الكويت؟
سالفتي اليوم تتعلق بشيء واقعي تعيشه معظم البيوت الكويتية، وهو مشكلة الاعتماد الكلي على الخدم. فالخادمة في البيت الكويتي اصبحت عمودا اساسيا من اعمدة البيت والأسرة. والدليل على صحة كلامي انه لو لعب الشيطان برأس هذه الخادمة وأحبت ان تضرب عن العمل تزامنا مع موجة الإضرابات التي تشهدها البلاد، سيختل كيان هذا البيت، فتجد الأب لا يدري أين دشداشته ومكسره، والأم لا تدري أين حجابها وعباتها، والولد لا يدري أين «ايبوده»، والبنت لا تدري كيف تمشط كشتها.
لا اضع نفسي في موضع المرأة المثالية الكاملة وانكر دور الخادمة، لأنها ضرورة، خاصة في يومنا الحاضر. لكن الأم الذكية هي التي تعرف واجباتها تجاه بيتها وزوجها وأولادها، وتستطيع بتوازن التوفيق بين البيت وخارجه، ولا تتنازل بأي حال من الأحوال عن أولادها للخادمة لأنها ستكون الخاسرة الأولى والأخيرة.. لذا دعوني اسرد لكم بعض صور الاتكالية التي تشهدها البيوت الكويتية:
أمهات بالإيجار
Chetta او شيتا كما يناديها الجد سعود ذو السبعين عاما، هي الدينامو المحرك لمنزل بو محمد. وبو محمد رئيس مجلس إدارة احدى شركات القطاع الخاص، يديرها بكل نجاح وتميز فتتزايد أرباحها كل سنة، ويتزايد معها «البونص» السنوي لبو محمد.
وبو محمد يا محفوظين السلامة متزوج من ام محمد، وهي من حريم الكويت اللواتي «رشهم النفط» على كبر، فعرفت طريق ابر التفخ والنفخ، بعد ان تقاعدت وقررت ان تلتفت الى نفسها.
اما محمد ولد بو محمد وام محمد، فهو طالب في السنة الثالثة في احدى الجامعات الخاصة. وشهد وحصة هما الأختان التوأمتان لمحمد وتدرسان في الصف الرابع.
كما ذكرت ان شيتا هي الدينامو المحرك للمنزل، والآمرة الناهية فيه، اذ انها تترأس طاقم عمل يتكون من انيلي، وهي الخادمة الثانية في المنزل، وكومار السائق وغفار الطباخ.
وهذه الشيتا هي بمنزلة الأم الثانية، او بالأحرى الحقيقية، لمحمد وأختيه، والزوجة الحنون لبو محمد، و«الجنة السنعة» للجد سعود. فهي تفزع من صباح الله خير في حين ان شخير ام محمد واصل النويصيب، فتبدأ بايقاظ البنتين وتغسيلهما وتمشيطهما وتلبيسهما والابتسام في وجهيهما ومن ثم الركوب معهما في السيارة بمصاحبة كومار، وتوصيلهما إلى باب الفصل وتقبيلهما.
ثم تعود لتوقظ الجد سعود لكي يأخذ ابرة السكر، وتقدم له الريوق السنع وتجلس معه وهو يشاهد مسلسل «الأقدار»، وبعدها تقوم بالسيناريو نفسه مع محمد، وختامها مسك مع بو محمد.. كل هذا وام محمد ما زالت تشخر في العسل.
إفراط في الاتكالية
هذه بعض المقتطفات التي نقلها لي الجد سعود عندما اتصل بي، وتحدث بكل حسرة ومرارة عما تعانيه البيوت الكويتية، وجاء اصراره على كتابة هذا الموضوع لنقل صورة حية للإفراط في الاتكالية والاعتماد على الخدم ومدى تأثير ذلك في الأبناء.
يقول الجد بكل حسرة ان الأمر وصل بحفيدتيه ان تناديا هذه «الشيتا» بماما لشدة تعلقهما وتأثرهما بها الأمر الذي يعتبر في غاية الخطورة، علاوة على انهما بدأتا بممارسة الطقوس الدينية الخاصة بهذه الخادمة من شدة تأثرهما وحبهما لها، وانهما تذهبان معها إلى الكنيسة اثناء اجازتها من دون اي اعتراض، لا من الأب الذي يلهث وراء زيادة ارباح شركته، ولا من الأم التي تقضي نصف نهارها في الفراش والنصف الثاني في الشارع.
ميري فراشة بيضاء؟
يقول المثل «شر البلية ما يضحك»، هذا ما ينطبق على ما نقلته لي ابلة نورية، مدرسة اللغة العربية للمرحلة الابتدائية. تقول ابلة نورية: نحمد الله ونشكره على ان منهج اللغة العربية تغير وتطور، فبعد ان كان سالم واخته عبير هما محور حديث طلبة الصف الأول الابتدائي، جاءت الفراشة البيضاء امل واختها الملونة اسراء لتحلا مكانهما. لكن هذا التغير في المنهج لم يرق لخالد ذي الستة اعوام، وهو احد التلاميذ الذين أدرسهم، فهو يرفض رفضا تاما ان يكتب «امل فراشة بيضاء» و«اسراء فراشة ملونة»، ويصر على ان يكتب «ميري فراشة بيضاء، وميري فراشة ملونة».
وطبعا ميري هي الخادمة او الأم الثانية لخالد. فمن شدة حبه لها وتعلقه بها، حتى دروسه يريد ان يربطها باسمها. فهذا الخالد العاشق الذي اعطى قيس بن الملوح «عشرة صفر» بمدى حبه لليلى، واجه وتحدى عصبية ابلة نورية، وتوبيخ مديرة المدرسة وهمسات وضحكات زملائه بالصف بكل شجاعة، واصر على ان لا تخط اصابعه اسم انثى غير اسم ميري.
وما يجعلنا نضرب كفا بكف على حال اولادنا وفلذات اكبادنا، انه عندما اتصلت ادارة المدرسة بولية الأمر لتخبرها أن ابنها يواجه مشكلة ويتطلب الأمر حضورها، جاء ردها أنها مشغولة ولا وقت لديها، وانها سوف تقوم بارسال ميري لتتدبر الأمر.
أسر فندقية
للأسف ان بعض الأسر الكويتية تحولت بفعل عوامل الحياة إلى أسر فندقية، وأقصد هنا بالأسر الفندقية تلك التي أخذت على عاتقها توفير السكن والطعام الملائم للأبناء فقط، ونسيت الدور الكبير الذي يلعبه وجود الوالدين في المنزل، ويرتبط بالتنشئة الاجتماعية الصحيحة والوظائف البيولوجية والعاطفية والأمن والضبط الاجتماعي والنفسي وزرع القيم لدى الأبناء.
فالفجوة اتسعت بين الأهل وابنائهم، وانعدم الحوار، والسبب في ذلك غياب عمود المنزل، وهو الأب، سواء في عمله أو سفراته أو ملذاته وعبثه.. وانشغال الأم باستقبالاتها وعملها واجتماعاتها وجلساتها مع صديقاتها في الكافيهات وغيرها. وعندما ننظر أين الأبناء نجدهم في حضن ميري وكومار، وهنا تكمن الطامة الكبرى.
حقائق لابد من ذكرها
حتى لا نكون كالنعام ونقول ان الأمور طبيعية، فعلى الذي يشكك بما اذكره من تأثير سلبي للخدم في ابنائنا، أن يقوم بعملية بحث للإحصائيات والدراسات التي تعدها وزارة التربية حول تأثير الخدم على الطلبة واهمال اولياء الأمور لفلذات اكبادهم.
ويا ليت الأمر يقتصر على دخول ميري لكشاكيل المدرسة او سيطرة شيتا على مهام المنزل، فالطامة الكبرى تكمن بالتحرش ببنات بعمر الزهور من السائق، وذلك بمساعدة الخادمات مقابل حفنة دنانير يقدمها السائق لهن. والبنت من شدة حبها لهذه الخادمة وتعلقها بها تعمل اي شيء وكل شيء على الرحب والسعة، فهي ترى بعين هذه الخادمة وتسمع باذنها. وكل هذا والأب والأم في قمة انشغالهما الثانوي عن مهمتهما الأساسية.
والأمر أخطر عند الابن المراهق الذي يمارس رجولته وفحولته مع هذه الخادمة بكل يسر ومن دون مراقبة حتى يقع الفاس بالراس، وتحمل هذه الخادمة طفلا من هذا المراهق.
فماذا عساك ايها الأب بفاعل وابنتك تسيطر عليها الخادمة؟ وماذا انت بفاعلة ايتها الأم وابنك الذي تحملين كنيته عاشق من رأسه حتى قدميه للتراب الذي تمشي عليه الخادمة؟
هذه دعوة أطلقها لكل اب وام انشغلوا عن فلذات اكبادهم بملذات الحياة ومتاعبها، التفتوا لأبنائكم، احنوا عليهم، انصتوا لهم، راقبوهم، انت ايتها الأم انفضي فراشك منذ الصباح وابدئي بممارسة دورك كأم.. وانت ايها الأب لا اعتقد ان اسهم شركتك او اعمالك سوف تتعطل عندما تأخذ ابنك بجانبك وتوصله إلى المدرسة، او تأخذه لتناول الفطور قبل المدرسة في رحلة صباحية رجالية، الأمر الذي له بالغ الأثر الإيجابي في نفسه.