روابي البناي
صبحكم الله بالخير والنور والكرامة، ان شاء الله يكون صباحكم خاليا تماما من الملايين المشبوهة والاعتصامات والإضرابات والزيادات التي من كثرها صارت «مليقة».. صباح جميل ومشرق من دون تحويل أسماء خيبت كثيرا من الامال للنيابة. صباح الأجيال الكويتية القادمة التي لا نعرف ما مصيرها في ظل حكومة ماشية على البركة و«تتصرقع» عندما تسمع احدا «يهوش» ويقول راح اضرب او اعتصم، ومجلس اغلبيته من «القبيضة»، واقصد بالقبيضة ليس فقط قبيضة الكاش والشيكات والإيداعات المليونية، بل حتى قبيضة المناقصات والمصالح والصفقات والأراضي و«اللي على راسه بطحة يحسس عليها».
اثناء وجودي في العاصمة البريطانية شهدت الأراضي الكويتية الكثير من الأحداث المهمة والمؤثرة التي كان لها صدى مدوٍ ورنان، لدرجة انني قلت في قرارة نفسي: هل غيابي عن الكويت مؤثر لهذه الدرجة؟ فالإعلان عن تحويل بعض ممثلي الشعب للنيابة بتهم شبهة غسل اموال وقبض رشى كان اول واهم حدث، واقرار زيادة رواتب القطاع النفطي بعد «تهويش» النقابات النفطية بالاعتصام بأقل من 24 ساعة كان الحدث الثاني، واستعداد طوائف شبابية للخروج بما سموه «جمعة الشعب» كان الحدث الثالث، وغيرها الكثير من الأحداث المؤسفة التي لم نعتد عليها في المجتمع الكويتي، لكن ماذا عسانا ان نقول ونفعل غير «آه من بطني وآه من ظهري»..
ونظرا لهذه الأحداث التي تكدر الخاطر، قررت أن آخذكم بعيدا عن حدود اللاهوب الكويتي، وانقل لكم بعض المشاهد التي رصدتها عيناي في عاصمة الضباب، وسط الأجواء الباردة والمطر مساهمة مني في تخفيف حدة ارتفاع معدل الضغط والسكر الذي عاناه الكثير منكم خلال الأيام الماضية بسبب الأخبار التي تضيق الخلق.
الفناتق الكويتية في الشوارع اللندنية
يعتبر شارع «أدجورود» اللندني احد الأماكن الرئيسية لزوار لندن من الخليجيين والعرب، ذلك كونه المقر الرئيسي لتجمعهم ومكوثهم بالساعات على القهاوي والمطاعم وهم «يبربرون» بهوز الشيشة وينفثون دخانها بوجه «اللي رايح واللي ياي». فهذه متعتهم التي ينتظرونها من صيف لصيف ويقتنصون اي فرصة اجازة «للهججان» والارتماء في حضن «الإدجورود» اللندني، فمنظرهم بات طبيعيا لكل من يصول ويجول بهذا الشارع.
لكن المنظر غير الطبيعي الذي شاهدته في زيارتي الأخيرة هو منظر لتجمعات شبابية من الجنسين، يتوسطهم شايب انكليزي من مدمني الكحول وفاقدي العقول، جعل نفسه اضحوكة سخيفة في ايدي هؤلاء الشباب التافهين. فمن اجل ان يرمي أحدهم بيده باوندا او باوندين قام بالرقص على نشاز اصوات هذه الفئة وهم يتغنون بالأغاني العراقية الهابطة ويصفقون، وهو يهز على وحدة ونص.
ربما يقول البعض منكم: وما الشيء الغريب في ذلك؟ وبمعنى اصح «انتي شعليج من الناس»؟
الشيء الذي جعل خاطري يتكدر ان هذه التجمعات ما هي الا لشباب وشابات كويتيين وكويتيات وللأسف.. فهم ما ان يلمحوا ظل احد المتشردين homeless السكارى حتى يبدأوا معه فعاليات لعبة «فتحي يا وردة سكري يا وردة» مع شربكة وتصفير ورمي للجنهيات وتصوير وبث مباشر عبر التويتر والواتس اب اشارة الى قيامهم بحدث بطولي مميز.
هل يخفى القمر؟
قد يقول البعض: كيف عرفت انهم كويتيون؟ واجابتي ستكون بمنتهى السهولة «فهل يخفى القمر؟»، فالكويتيون والكويتيات يعرفون لو كانوا وسط مليون شخص، فالدلالات سهلة منها التفلسف والشحاطة، والحجاب الوارم الذي لم نسلم من رؤيته حتى في لندن، هذا غير «عوية الحلج»، و«التبقق» في شاشة التلفون، فهذه جميعها تؤكد وجود كائن كويتي في المنطقة.
كان منظر هذه التجمعات اولى الفناتق الكويتية التي كحلت بها عيني بالشارع الأدجورودي، اما ثانيها فكانت لأم كويتية في العقد الثاني من عمرها تمشي بصحبة زوجها الذي كانت مهمته دفع العربة التي يقبع فيها طفل «امدحدح» مايقدر يفتح حلجه من كبر قطعة البيتزا التي تزغطه بها الأم. ولكن اللافت للنظر كان منظر الخادمة المسكينة التي تمشي خلف هذه الأم العشرينية، والتي كانت تحمل بيدها اليمني اكياس المشتريات الخاصة بالمدام وباليد اليسرى علبة البيتزا التي تقوم الأم باخذ القطع منها لإطعام «المتيح» المنفرش بالعربانة. فعلا كان منظر هذه الخادمة المسكينة مثيرا للشفقة، ولكن الواحد شقول؟.
عرض في المطعم
اما المنظر الثالث فكان في اروقة مطعم «كنتاكي» الشهير الذي يعد استراحة المحارب لمتسوقي شارع اوكسفورد، كونه يحتل موقعا استراتيجيا مميزا.
فأثناء جلوسنا لافتراس الأفخاذ الكنتاكية المقرمشة، غزت المطعم مجموعة من الفتيات بصحبة «كوكش يهال»، ولسوء حظنا العاثر جلسن بجانبنا. وكانت اولى حركات هذه المجموعة اخراج شاحن الهاتف النقال من احدى الحقائب وتركيبه بموصل الكهرباء الموجود في المطعم (كأنه مطعم ابوهم اللي يابهم).
وثاني هذه الحركات كان افتراش طاولة المطعم واخراج ما تحمله اكياسهن المملوءة عن بكرة ابيها بكل ساقط ولاقط يحتويه الأوكسفورد اللندني.
ولك عزيزي القارئ ان تتخيل التعليقات التي كانت تتداولها هذه المجموعة بصوت عال من دون اكتراث ولا احترام لوجود مئات البشر التي جاءت لتفترس الكنتاكي المقرمش، وسأكتفي بنقل احد هذه التعليقات لاحداهن وهي تتغزل ببلوزتها الحمراء التي تتحلم بها وتقول لصديقاتها «واي شوفوها حدها عجيبة صح؟ واكيد راح تصير اعجب لما البسها حق الجامعة راح اسوي show قوي الله يعيني»، وترد عليها الثانية «امبيه حدها اتهبل بس هذي يبيلها تان قوي وحمرة mac علشان يصير اللوك طبيعي».
«التكتك» اللندني
أما منظر الكويتيين وقزهم «بالتكتك» اللندني فهذه سالفة ثانية حدث ولا حرج. يبدأ هذا القز من الساعة الثامنة مساء وبالتحديد من «ماربل آرش» وحتى نقطة التجمع الليلية في «بيكاديللي سيركوس»، فكل ثلاث بنات «يتقلقصون» بعربة «تكتك» وهن على سنجة الف من الماكياج اللي ماينحط حتى حق الحفلات، والتراجي اللي كل وحدة كبر ثريات القاعة الماسية في الشيراتون، والبف والحجاب الطوالي والمنتفخ، ولاصق بهن «تكتك» ثاني فيه ثلاثة شباب اللي حاط تاج واللي اموقف شعره كأنه «جني» والحالة حالة والتعليقات الكويتية المميزة تطرب المكان.
أنا مو كاسر خاطري بالموضوع كله إلا سايق التكتك اللي مايوصل بيتهم بالليل إلا وظهره طاق وماغير امه ولا اخته ولا زوجته تستقبله وبيدها «بو الفاس» حتى تدهن ظهره وينام من أجل قز الكويتيين في اليوم الثاني.
قز مخملي
هذه المناظر كانت للطبقة الكويتية العادية من مرتادي شارع الحب والخليج، اما القز المخملي فهذا نوع ثان، على قولة الست ام كلثوم «شكل تاني حبك انت»، فقز الهوامير اما بمقهى لادوري Laduree او داخل ردهة المجوهرات في متجر هارودز.
يومها نفسي راودتني على قطعة chocolate macaron، فشلت شلايلي وذهبت لأشتريها. لكن ما ان وصلت المقهى حتى احسست انني في عرض ازياء او مهرجان كان السينمائي، من آخر صرعات اللبس والشعر والألماسات التي كانت ترتديها البنات والشباب، هذا غير عرض السيارات الفارهة التي تحمل لوحات قطرية وسعودية، والتي ما ان تمر حتى تخطف معها قلوب العذارى الجالسات في المقهى. لذلك عذرت البنات على انهن «لابسين اللي بالكبت» و«مايطين» الشعر وقاعدين، فلعل وعسى يظفرن بنظرة او ابتسامة من صاحب البوغاتي او الفيراري، ويحصل النصيب بعدين.
والمضحك بالأمر ان الكويتيين نقلوا داء حجز الطاولات الذي تشتهر به مقاهي الصالحية الى لندن، فهذا الغرسون يعرف زبائنه ويعرف الأماكن التي يحجزها لهم، فكل طاولة يتم حجزها حسب «الأنواط» التي تتحاذف عليه آخر اليوم حتى يشد حيله معهم اليوم الثاني.
انتو ليش مسافرين؟
اقصد ما التغيير الذي حصلتم عليه؟ فأنا وغيري الكثير نعلم ان القصد من السفر هو كسر الروتين وكسب عادات جديدة، ولكن مسألة ان اسافر وأطق طريج ست ساعات متسمتة بالطيارة حتى اروح ارتز بقهوة كلها كويتيين وخليجيين او اني اقعد انفش شعري واشخط الكحلة ليمن اذوني وخلي عيوني تفتر جنها كتويل، فاتوقع أن اقعد واقظب ارضي وايد ابرك واوفر.
آخر الكلام
أمنية تمنيتها وانا اشاهد شعب بلدي بلندن يمارس بعض التصرفات الإيجابية التي تثلج الصدر، ان يمارسوها في الكويت وهي:
• التزامهم بعدم التدخين داخل المطار والمجمعات والقطار والباصات.
• التزامهم بالطوابير، خاصة طابور الـ vat بالمطار من دون ان يحركوا «برطم عن برطم» ومن دون تذمر.
• التزامهم بأدب الحوار مع بائع المحل او سائق التاكسي او نادل المطعم من دون استخدام كلمة «والله اسفرك» او «كيفي انا كويتي».
• استخدامهم للباص الأحمر في معظم تنقلاتهم من دون تكلف.
• التزامهم بقواعد المرور والتقيد بآداب الطريق عكس الذي نراه في الشوارع الكويتية.
• المحافظة على نظافة دور السينما وعدم رمي «النفيش» وبقايا الأكل كما يفعلون هنا بالكويت.
هذه بعض التصرفات التي اتمنى ان يراعيها الكويتيون في ديرتهم كما يراعونها خارجها.