روابي البناي
مساكم الله بالخير والنور والكرامة، ومبارك عليكم ما تبقى من الشهر الفضيل الذي أدعو الله سبحانه وتعالى أن يعينني وإياكم على صيامه وقيامه وفعل الخير فيه، والابتعاد عن كل ما يعكّر صفو هذه الأيام الفضيلة من حش وغيبة وبغض أمين يارب العالمين. قررت خلال هذا الشهر أن أبدأ مقالي الأسبوعي معكم بكلمة مساء الخير، انتهاجاً لمبدأ التغيير والتجديد، لأني طول السنة «ذبلت جبدكم»، وأنا كل أسبوع أصبح عليكم، فقلت أسوي في هذا الشهر المبارك «نيو لوك»، وأقول «مساء الخير».
اليوم هو الرابع عشر من أيام شهر رمضان، الذي مشى بسرعة، وقاعدة تنقضي أيامه الحلوة التي نقضيها في التجمعات الأسرية والسهر مع الأصدقاء، والتواصل الروحاني مع الخالق عز وجل، هذا غير التسمر أمام شاشات التلفزيون، وأمامنا ما لذّ وطاب من أطباق الكبب والسمبوسك المتروسة بالجبن الكرافت اللي «يرجخ» من الدهن والجبن الأبيض والنعناع الناطع، وقلاسات الفيمتو البارد اللي يسرسح على الجبد، ونحن نشاهد الكم الهائل من المسلسلات التلفزيونية اللي من كثرها ما ندري شنو نشوف وشنو نخلي. فللأسف أن هذه الأيام تنقضي بسرعة وربما لم يستغلها البعض الاستغلال الأمثل، ولكن مازالت الفرصة موجودة.
الأمس واليوم
كما ذكرت اليوم هو 14 رمضان، وبمعنى آخر الليلة هي ليلة 15، وهذا يعني انتصاف الشهر المبارك وبدء مراسم الاحتفال بالقرقيعان، أبرز العادات الرمضانية في الكويت، التي يقوم بها الأهالي بتقديم الحلوى والمكسرات للأطفال الذين يجوبون الشوارع، مرتدين الأزياء الشعبية وحاملين الأكياس القماشية، احتفالاً بمرور النصف الأول من الشهر المبارك في تقليد قديم يعود تاريخياً إلى بدايات تشكل المجتمع الكويتي واستوطانه العاصمة في بدايات القرن الماضي.
ويبدأ الجميع الاحتفال بالقرقيعان أيام 14 و15 و16، بهدف تشجيع الأطفال الذين تمكنوا من صيام النصف الأول من رمضان، وتوضيح أن ما تبقى من الشهر أقل مما فات، فيمنحوا المكسرات والحلوى مكافأة لهم على صمودهم هذه المدة. ويقوم الأطفال بترديد أهازيج شعبية تتضمن عبارات «قرقيعان وقرقيعان، بيت قصير ورمضان، عادت عليكم صيام، كل سنة وكل عام»، ثم يقوم الأهالي بتقديم الحلوى والمكسرات للأطفال الذين يتجمعون أمام الباب، شرط الدعاء بالسلامة لأصغر أبناء أسرة هذا البيت، بقولهم «سلم ولدهم يا الله، خله لأمه يا الله».
هذا بالنسبة للاحتفال بالقرقيعان في الماضي الجميل، أما اليوم، فالأمر يختلف مليوناً وثمانين درجة. فالقرقيعان أصبح فرصة ذهبية للتفاخر والمغالاة بين العائلات، وسباقاً ماراثونياً في صفحات التويتر والفيسبوك. فالاستعدادات له تبدأ قبل بدء الشهر الفضيل بأشهر والميزانية ترصد مع بداية السنة، هذا بالنسبة لمن يريد أن يعيش فوق مستواه، ويكون «غصب طيب كشخة»، فكونوا معي أحبائي عبر الأسطر القادمة بسالفتي الأسبوعية الجديدة والتي ستكون عن فناتق «المشاخيط» في القرقيعان.
عندك تغرم قال إيه.. عندك تأكل قال لأ
تلقيت دعوة فاخرة وأنيقة تفوق دعوات حفلات زفاف هذه الأيام بأناقتها وفخامتها و«نزاكتها»، لحضور حفل قرقيعان «زبوط النقعة» عبود ولد أم عبود المقام بمنزلهم، والذي سيحييه المطرب الشعبي المشهور بحضور شخصيات رمضانية مشهورة. ولم تكن الدعوة وحيدة، بل كانت مزودة بهدية خمس نجوم عبارة عن علبة بها دهن عود وبخور «من اللي تحبه قلوبكم»، وصورة محفورة ومرصعة بأحجار الكريستال لزبوط النقعة «عبود».
الصراحة طقني عقر بقر ليس لجمال وأناقة الدعوة، لكن لأنني أعلم «النون وما يعلمون» لحالة عبود وأمه وأبيه المادية، فهم «طرق المعاش» اللي رايح نصه على قسط «البانيميرا» مالت أم عبود ومصاريف مدرسة عبود الخاصة، فمن أين لك هذا يا بوعبود؟
ربما يتحلطم البعض منكم ويقول: «أنتي شعليج؟ وليش تتدخلين؟ محد ماخذ من جيبج شي»، والبعض قد يقول إني أحاول تشويه صورة المجتمع الكويتي المثالي «يالله من فضلك»، لكن أرجع وأقول لكل من يظن بي هذا الشيء الله يسامحك، خصوصاً أننا في ليالي شهر فضيل، وما يصير الظن السوء بالناس. فأنا أقصد أن أقول إن الاعتدال مطلوب في كل شيء و«التشيحط الزايد» ما له داعي منه.
أنا لست ضد الاحتفال بالقرقيعان، ولست ضد أن تتحلى الأم على ولدها، لكن بالمعقول ومن دون تكليف النفس فوق طاقتها. فما له داعي أني أسوي قرقيعان يكلفني عشرة آلاف دينار، وما له داعي أحمل زوجي فوق طاقته ومقدرته المادية وأمد «بوزي» شبرين، إذا ما قدر يعطيني اللي أنا أبيه، وكل هذا بس لأن فلانة سوت حفلة قرقيعان حق عيالها ووزعت كاكاو ماركة وأنواط وردية بالقرقيعان، لذا لازم يكون قرقيعان ولدي ولا بنتي أحسن منها. أنا على يقين أن الكويتيين يحبون السنع والذرابة والنزاكة والشي العدل، بس في الوقت نفسه «الهون أبرك ما يكون»، يعني الله ما أمر بالتبذير ولا أمر بالإسراف ولا أمر بالمغالاة بالشيء ولا أن أحمل نفسي فوق طاقتها.
فهذه التي وزعت أنواط وكاكاو سويسري فاخر بقرقيعان ولدها الله مرهي عليها وعندها خير، فلماذا أضع نفسي في وضع المقارنة وأضيق الخناق على زوجي وأحط ريل بالأرض وريل بالسما إذا ما سويت حفلة حق عبود أحسن من حفلة فلان وفلانة؟
للأسف أصبح القرقيعان هذه الأيام سباقاً فقط لنيل شرف السبق عبر وسائل الاتصال التكنولوجي التي «خسبقت» الأوادم، فحتى ينشر broadcast مكتوب فيه «لحقوا سليمان القصار يغني بقرقيعان فلانة اللي أمها فلتانة»، تهدر آلاف الدنانير وتكون مضت ساعات من الحنة والرنة على مخ الزوج المسكين.
ولكن تعال وشوف هذه الأم «المشتطة»، التي كانت تمشي كأنها طاووس بحفل القرقيعان، بعد أن تروح السكرة وتأتي الفكرة، تجدها قاعدة تمجع شعرها وتغني «أنا المسيكينة أنا، أنا المظيليمة أنا» لأن زوجها بالعناية المركزة، إثر الجلطة التي حاشته من فواتير القرقيعان.
فيا أم فلان ويا جدة فلانة ليس عيباً ولا منكراً أن يكون القرقيعان بسيطاً، فالمسألة ليست مسألة شراء من محل فاخر وغال ومشهور، بل مسألة ذوق وفن في انتقاء الأحسن، فأتمنى من كل قلبي ألا توجد هناك ضحايا قرقيعان، ولا حالات طلاق بعد هذا الشهر الفضيل، والسبب حفلات القرقيعان وبدلاته.
سلم ولدهم خله لأمه
أنا من الذين يعشقون القرقيعان، لكن ليس قرقيعان عبود وأمه بل قرقيعان «السكيك والدشاديش ودراريع سوق الحريم اللي ألوانهم تخليني حوله من فقاعتهم.
ففي كل سنة يتكرر المشهد القرقيعاني، فتجدني أجلس بوسط الصالة وأضع زبيل القرقيعان أمامي، وأبدأ بمداحرة أمي التي تصر على أن يغني الأطفال على «الروح والريه» على قولتها، وتقصد أخي قبل الكل، فأقول لا وألف لا أنا العودة ولازم اسمي يتصدر القائمة. فيقف الأطفال في حيرة من أمرهم: فهل يرضون أمي أم يرضوني؟
ولكن هذه السنة راح أريح الجموع التي راح تقرقع عندنا، لأنني أنا وأخي تنازلنا عن حقنا بالتقرقع، وقررت أن يكون التقرقع خاصاً وحصرياً باسم كامل الأوصاف النائب المحترم الذي يسكت دهراً ويتكلم كفراً صاحب المطالبات الدموية وهدر الدماء المسلمة الذي يظهر عكس ما يبطن. فهو يطالب المجتمع الدولي والإنسانية بوقف هدر الدماء السورية المسلمة، وفي الوقت نفسه يرفع شعار قتل السفير السوري في الكويت.
لذلك راح أقرقع انا والأطفال ونقول «سلم هايف يالله خله حقهم يالله»، وحقهم أبقيها في بطن الشاعر واللبيب من الإشارة يفهم.
آخر الكلام
سؤال أوجهه إلى هايف وربعه، ممن ينادون بقتل السفير السوري في الكويت، ماذا ستفعلون لو خرج لنا أحد «أبضايات» مجلس الشعب السوري، وطالب بقتل سفيرنا القابع في دمشق؟ فأنت يا نائب يا محترم، يا من المفترض أن تكون على دراية ووعي كاف بأمور الشريعة الإسلامية السمحة التي تندد بزهق الأرواح، كيف تتفوّه بمثل هذا التصريح الخطير؟ أين تفقهك بأمور الدين وشريعته؟ أين أنت من سنة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام المخالفة تماماً لما تنادي به؟ كيف لنا أن ننادي بقتل روح وزهقها ونحن دين ينبذ الإرهاب؟ أتمنى أن يكون هذا التصريح الخطير الذي خرجت به صحوة لمن يتبعك من دون وعي ولا تفكير في أن اللحية التي تترس وجهك فقط ديكور، وليست ديناً وتديناً، لأن من يعرف الله وسنة نبيه الكريم لا يطالب بمثل ما طالبت به يا هايف.