روابي البناي
مساء خاص مفعم بليالي الشهر الفضيل ذات النكهة المميزة المعبأة بما لذ وطاب من الأطباق الرمضانية التي تقول لدكاترة الريجيم «استريحوا وريحوا»، مساء اللقيمات وصب القفشة، مساء التشريب الناطع والهريس الأدعم الأنطع للقراء الأعزاء الذين يتصفحون القبس مساء في ليالي رمضان المميزة، وصباح الخير لقرائنا الصحيين النشطين الذين يطبقون مقولة «نام بكير وفيق بكير وشوف الصحة كيف بتصير».. ونحن في الأسبوع الثاني من الشهر الفضيل أسال الله سبحانه وتعالى أن يعيده عليكم بالصحة والمغفرة ويتسلمه منا ومنكم متقبلين الصلاة والصيام والقيام يارب العالمين.
سالفتي اليوم يا محفوظين السلامة هي سرد لقصة واقعية مؤلمة بالنسبة لي عانيت خلالها أثناء مراجعتي لأحد مستشفيات دولتي الحبيبة الكويت، التي هي من أهم الدول النفطية بالعالم، وأهم الدول ذات الطابع السياسي بالعالم، واهم الدول التي تتصدر تبرعاتها ومشاريعها الخيرية العالم، وأهم الدول التي تزخر بوجود «مخوخ» نظيفة تريد فقط استغلالها استغلالا صحيحا حتى تستطيع ان تبدع. فكونوا معي أحبائي برحلتي الشاقة الى مستشفى الموت بالكويت اقصد مستشفى مبارك الكبير.
المكتوب واضح من عنوانه
رحلتي إلى مستشفى الموت الكبير كانت لزيارة أحد الأطباء المتخصصين بأمراض الدم، الذين يعدون على الأصابع بالكويت لندرة هذا التخصص، وبناء على أمر الطبيب المتابع لحالتي الصحية الذي نصحني بمراجعة الدكتور علي المهيني في مستشفى مبارك، وعليه كتب رساله توصية طبية لهذا الدكتور وحادثه عبر الهاتف وشرح له حالتي. وتم الاتفاق على أن أتشرف برؤيته صباح اليوم الثاني بعيادته بمستشفى مبارك الكبير.
لا أخفيكم أمرا شعرت «بالقته» وضيقة الخلق منذ الليل لكوني سأوجد بأروقة هذا المستشفى الذي يحمل شعار «الداخل مفقود والخارج مولود»، ولكن ما باليد حيلة فالمضطر يركب الصعاب ويتحمل مواجهتها، حتى ان كانت مراجعة مستشفى مبارك الكبير.
وفي تمام السابعة والنصف صباحا كنت موجودة في مواقف المستشفى الذي ادعو الله سبحانه وتعالى أن لا يحوج أي كان لدخوله ولا لمراجعته، فمنذ الوهلة الأولى لوقوفي بمواقف السيارات ادركت أن المكتوب واضح من عنوانه، فالمواقف حدث ولا حرج، والباب المؤدي لدخول سيارات المشرحة مفتوح عن بكرة ابيه، والحالة حالة.
ومع هذا تعوذت من إبليس ودخلت الى المصير المجهول الذي ينتظرني داخل هذا الصرح الطبي المتهالك الذي من العيب أن يوجد في بلد كبلدي الكويت.
أول ما واجهته في هذا المكان هو ضابط الأمن الذي من المفترض أن يستقبل المراجعين بابتسامة تقول لهم «لا تخافوا انتم بأيدي أمينة»، لكن هذا في الأحلام. فهذا الأخ كان منهمكا بتفصيص جريدة الإعلانات المجانية التي تفترسها يده لدرجة أنني وقفت أمامه وسألته عن مكان العيادات الخارجية، فأجابني بوجهه (المنتفخ): «امشي على طول، بعدين يمين بيسار» من دون أن يرفع رأسه من الجريدة. وفعلا مشيت على حسب إرشادات GBS الفلتة. ووصلت الى مبتغاي، لكن المشكلة ليست بوصولي، المشكلة أين هي عيادة الدكتور علي المهيني؟
ليش غرفة 3؟
العيادات جميعها مرقمة من دون أسماء تعتليها. فالوضع كان في قمة اللاوصف وقمة اللاوصف هي مرحلة أصل لها بعد أن يتملكني اليأس والإحباط. اتصلت بالدكتور المشرف على حالتي لأخذ رقم الدكتور المهيني منه، وفعلا كان لي ما أردت. وبعد محادثته قال انه قابع بعيادة 3، فأدركت أن رحمة الله واسعة لأنني كنت أقف بجانب هذه العيادة، فذهب اليأس مني. لكنه سرعان ما رجع عند دخولي لهذه العيادة التي يتبادر الى ذهن داخلها أنه في ديوانية أو جمعة أصدقاء.
فإلى جانب وجود الدكتور المعني كان هناك ثلاثة دكاترة، اثنان منهم كانا في قمة اندماجهما وانهماكهما بلعبة «المطعم» التي باتت هوس وجنون مقتني «الأيفون». كان منظرهما مثيرا جدا للاستغراب وهما يرتديان البالطو الأبيض، هذا البالطو الذي أقسما على كتاب الله عند تخرجهما على الحفاظ عليه وعلى قدسية هذه المهنة والإخلاص لها وليس الجلوس على سرير المرضى واللعب بالأيفون؟
أما الدكتورة الثالثة فكانت مكتفيه فقط بالجلوس والاستمتاع بمنظرهما الفكاهي. فكيف للمريض أن تكون له سرية وخصوصية في ظل هذا السيرك الطبي؟ هذا غير باب «دروازه عبد الرزاق» الذي لا يغلق، وأقصد هنا باب العيادة الذي كان مثل «السبيل» للقاصي والداني، فعلى قولة عادل إمام «اللي جاي يضرب واللي رايح يضرب والستات تزغرد» يعني «اللي يبي يصبح يدش، واللي يبي يمسي يدش واللي يبي يوقع طبيه يدش» والحال ما يعلم فيها إلا الله.
إهناك بره
جلست بجانب الطبيب الذي بدأ بالاطلاع على التقارير والتحاليل وتوجيه بعض الأسئلة لي، والتي اجبت عليها باقتضاب اشارة مني الى اني منزعجة (عشتو) لاعتقادي أن الدكتور واصدقاءه راح يشعرون بأنني مريضة ومنزعجة وعليهم مراعاتي، ولكن «عمك أصمخ».
طلب مني أن اذهب لفتح ملف ومن ثم الرجوع اليه. وسألته عن الجهة التي ستفتح لي الملف فقال: «إهناك بره».
انزين وين اهناك بره؟ لا أحد يعلم؟؟
وبعد سؤال بعض المراجعين اتضح أن «اهناك بره» هو كاونتر تجلس خلفه فتاة منقبة مكتسحة بالسواد ذات «عيون فتانة» بفعل العدسات اللاصقة المكبرة للعين والكحل الذي لا بد انها رسمته منذ الساعة الخامسة فجرا لأنه ممدود بحرفنة وفن وتكنيك من أول العين وحتى شحمة الأذن كأنه «مدرج للطائرات» دلالة على كبر مساحة عينها وجمالها.
تقدمت نحو هذا الفارس الملثم، أقصد ام عيون فتانة، وصبحت عليها، لكن ان الطوفة ردت السلام والتصبيح هي ردت.
قلت لها اني أريد أن أفتح ملفا لمراجعة الدكتور علي المهيني، وبإصبع يدها الذي لا تكاد تستطيع تحريكه من كبر حجم الخاتم أشارت لي روحي الشباك الثاني. وطبعا الشباك الثاني ما فيه أحد.
قلت لها: «لا يوجد احد طال عمرك»، فكان الجواب القاتل من دون أن تطل بوجهي «نطري اهي للحين ما داومت».
فقلت لها: «الحين الساعة 8 وربع وانا مستعجلة لوسمحت ليش اهو متى الدوام»؟
أجابت: «دوامنا الساعة السابعة والنص بس اهي تداوم على كيفها».
وهنا ثارت ثائرتي لهذا التسيب، فقلت لها: «لو سمحت وين مكتب المدير؟».
فقالت: «اهناك».
وطبعا «اهناك» نفسها (إهناك بره) التي قذفها بملعبي الدكتور علي المهيني من دون شرح.
نوطك أهو عزك بمستشفى مبارك
واختصارا للوقت والجهد تذكرت أن مستشفى مبارك تابع لوزارة الصحة العامة والتي هي ذاتها يتبعها المجلس الطبي العام الذي كانت لي خبرة بكيفية التعامل مع العاملين فيه وكيفية الوصول الى دهاليزه، فممدت يدي وفتحت جنطتي وطلعت نوطين زرق وناديت العم «بابو» اللي اول ما شاف النوط صار «زيبق» وقال: انت شنو يبي ماما؟
فقلت له: ابي مكتب المدير وين طال عمرك؟
فقال: تعال.
مشيت ورا الدليل بابو اللي وصلني لمكتب المدير المقلوع بقلعة وادرين خارج المستشفى بمبنى منفصل. دخلت وإلا مكتب المدير يصفر فاضي ماكو إلا السكرتيرات. قلت صباح الخير، فتكرر المشهد نفسه لا من مجيب، لدرجة أنني شكيت بنفسي هل كلمة صباح الخير «مسبة» والعياذ بالله.
قلت لاحداهن: لو سمحت اختي وين المدير؟
فقالت: مو موجود عنده اجتماع بالوزارة مع الوزير (علما أن الوزير في هذه الفترة كان موجودا خارج الكويت على حسب خبر قرأته في كونا صباح اليوم ذاته)، فقلت لها: انزين متى يرجع لو سمحت؟
فقالت: خير ان شاء الله.
فقلت: اختي انا ابي المدير علشان يحل مشكلتي العويصة بفتح ملف، لأني انا مواطنة كويتية وهو موجود على هالكرسي لخدمتي انا وغيري. انا ابيه يروح معاي يشوف التسيب اللي بالعيادات الخارجية ويشوف الناس شلون قاعد تتعطل معاملاتها بسبب تسيب بعض الموظفين.
فقالت: خلاص انا الحين اكلمهم.
وفعلا رفعت سماعة التلفون وتكلمت مع الموظفه فقالت لها: هند الله يخليج علشاني راح اطرشلج وحده فتحي لها ملف (كأنني قاعده اطر او انطر صدقه).
ورجعنا الى نقطة البداية لشباك الملفات وسألت عن الأخت هند فقالت: نعم خير.
قلت لها: ابي افتح ملف علشان اشوف الدكتور علي المهيني.
فقالت: روحي مكتب المدير ختمي الورقه وتعالي.
هنا قلت: انا يا ذابحه يا مذبوحه، الحين أنا توني طالعه من مكتب الفلته المدير ليش ما قالت لي السكرتيره اللي هناك ان ورقتي لازم تحتاج ختم؟
فقالت: مادري روحي سأليها انا ماني فاضيه.
وبعد هذا الرد القاتل من موظفة الشباك مزقت كل الأوراق وخرجت من مستشفى الموت البطيء وقلت «ان شاء الله عمري ما شفت الدكتور علي المهيني ولا أي دكتور بوزارة الصحة».
الشق عود يا بن ساير
عزيزي الدكتور هلال الساير انت من الشخصيات التي احترمها واكن لها جليل الاحترام والتقدير، لكن «الشق عود بوزارتك» فاسمح لي بسرد بعض الأمنيات التي تجول بخاطري وبخاطر الكويتيين:
• أتمنى ان يكون هناك اهتمام أكثر من شخصكم الكريم بمستشفياتنا ومراكزنا الطبية، واقصد أن لا تكتفي بالاعتماد على التقارير التي ترفع لمعاليكم من مديري المستشفيات والمناطق الصحية لأن الصورة لن تأتيك على حقيقتها الكاملة والواضحة.
• أتمنى أن تقوم بكبسات مفاجئة لمستشفياتنا حتى ترى بنفسك ماذا يحدث هناك، وكيف يتعامل أبناء شعبك من قبل بعض الموظفين الذين يفتقرون للباقة وحسن التعامل، وكيف هي حال بعض الدكاترة مع المرضى.
• أتمنى يا معالي الوزير أن تصدر قرارا شجاعا بالقضاء على ظاهرة «النينجا» بالمستشفيات، وأقصد هنا الموظفات المنقبات اللاتي يقبعن خلف كاونتر الاستقبال ويتعاملن مباشرة مع الجمهور لأن شكلهن غير حضاري ومقم ويبعث الأسى بنفسية المرضى، حتى إن كان هذا القرار سوف تثور له ثائرة بعض عناتر المجلس لكن لا عليك فهم على الأكو والماكو ثائرين.
• أتمنى أن يتم إخضاع جميع موظفي المستشفيات وأولهم سكرتارية مكاتب المديرين، ويستحسن المديرون أيضا، لدورة مكثفة بكيفية التعامل مع الجمهور واحترام الناس، علاوة على دورة شرعية توضح أن رد السلام والتحدث مع الغير بلباقة من ادبيات ديننا الحنيف. فالكويت تستاهل وأهل الكويت يستاهلون أن تتم معاملتهم أحسن معاملة ويتلقون أفضل خدمة.
آخر الكلام
أمنية رمضانية في هذا الشهر الفضيل أن يلتفت اعضاء المجلس الموقر للوضع الصحي المزري بالكويت وأن يضعوا كفهم بكف معالي الوزير وتصحيح الأمور السلبية التي تعج بها مستشفياتنا، وأن تجري مناقشة ميزانية وزارة الصحة وزيادتها لبناء مستشفيات جديدة وشراء أجهزة حديثة وجلب طاقم طبي على أعلى المستويات وليس الاكتفاء بتبرعات أهالي الخير بالكويت بترميم المستشفيات والأجنحة.