روابي البناي
صبحكم الله بالخير والنور والكرامة والحب والانتعاش وكل شيء حلو بالدنيا، صباح الشمس الحنانية «اللي لو تحط ميده توك مطلعها من البحر تلبط ما ترمش عينك الا وهي منشوية وتقولك انا جاهزة اكلني»، صباح الصيف الكويتي المميز، ودعاء بأن ينزل الله بركاته ورحمته علينا ويبرد علينا هذا الصيف، ويهدي وزير كهربائنا «اللي للحين بقراطيسه»، فلا يطفىء علينا المكيفات ويكرر سالفة بوغترة منشية بالقطع المبرمج.. في الأخير صباحكم عسل يا أحلى من العسل.
اليوم يا محفوظين السلامة بسولف وياكم عن شيء جديد وحلو ومميز في الوقت نفسه، شيء اتمنى من كل قلبي ان يتبناه احد عناتر المجلس الموقر ويجعله عرفا شهريا له لأنه سينام بعده و«يحط كل البطيخ اللي بالدنيا في بطنه» بضمان النجاح ألف في المائة.. الشيء الجديد هذا هو «اليمعة».
ما «اليمعة»؟
لا يوجد من لا يعرف ماذا تعني «يمعة»، وباللغة العربية الفصحى جمعة، لكن ليس جمعة الغضب ولا جمعة الرد ولا جمعة الرحيل، لا هذه جمعة بفتح الجيم، يعني جمعة مسالمة، جمعة كلها ايجابيات وضحك ووناسة وتعارف. والمجتمع الكويتي اجتماعي بطبعه ويحب الجمعات لأن فيها دفئا اسريا اجتماعيا يعتبر سمة ملاصقة له.
قبل اسبوع تلقيت اتصالا من أرقى وأرق محامية بالكويت نوره بوقريص، تدعوني بصوتها الذي «يسرسح على الجبد ويبردها» إلى فكرة جديدة ومبتكرة تقيمها هي واخوها حمد وصديقهم او بالأحرى اخو دنيتهم حمود الغانم، وهي أول تجمع كويتي من نوعه اطلقوا عليه اسم «يمعة»، سيقام في احد المطاعم الصينية الراقية بالكويت يوم الاثنين الموافق 6 من يونيو الجاري من تمام الساعة السادسة مساء حتى التاسعة. وجاءت دعوتي لهذه اليمعة كوني (يالله من فضلك) لي شعبية وجمهور (يابختي)، فأعجبتني فكرة اليمعة مع اني لم أخذ أي تفاصيل اضافية عنها، ولا من سيكون ضمن حضورها. ولكن الفكرة بحد ذاتها كانت جديدة وفريدة، لذا ابديت موافقتي الفورية على الحضور اولا من باب «بلاغة الشف» لمعرفة ماذا سيحدث ومن سيكون موجودا، وثانيا لكسر الروتين الممل الذي اعاني منه معاناة لاحل لها.
لماذا «اليمعة»؟
كما قلت لكم يا محفوظين السلامة، كانت الدعوة تمام السادسة مساء، بس تدرون احنا الكويتيين تقف عندنا عقارب الزمن لما تكون المناسبة في وقت مبكر و«الواهي اللي بره للحين ما برد». كنت عند باب المطعم تمام الساعة الثامنة إلا ثلث مساء، والابتسامة الخجلى تعلو محياي، لكن ابتسامة نورة بوقريص الساحرة جعلت كل الخجل والفشلة التي كانت تعتريني تنمسح عن بكرة أبيها وقالت لي «عادي روابي احنا قلنا ستة لأننا ندري بالكويتيين، راح اييون ثمانية وعلى العموم يا هلا ومرحبا فيج واحنا للحين ما بدينا».
هنا تهللت أساريري، وضمنت ان النودلز والبط الصيني للحين ناطرني خاصة اني «أهوش من اليوع» بسبب الريجيم التعيس اللي الله يسامحها الدكتورة ربا معطيتني اياه، واللي يا ويلي ياسواد ليلي لو وقفت على ميزانها الأبيض صباح كل سبت وما أشر الميزان بنزول بعض الكيلوات. بس علشان خاطر نوره وحمد وحمود قلت راح اواجه ميزان الدكتورة ربا وراح اكل، لأنه عيب اني ما أجاملهم بأول يمعة لهم، وعيب أكبر اني اخذل الشيف الصيني الذي تعب نفسه وقعد من العصر «يعجل» في المطبخ لنستمتع بما لذ وطاب.
كان الجو العام للمطعم خيالا من ناحية التنظيم والرقي والمعازيم، وفوجئت بوجود وجوه خيرة من أهل الكويت على اختلاف ميولهم ومسمياتهم وطبقاتهم الاجتماعية، فالفنان موجود، والدكتور موجود، والموسيقي موجود والمدقق المالي موجود، والأستاذ الجامعي موجود، ومدير البنك موجود ورجل الأعمال موجود، والأم موجودة، وربة البيت موجودة، والطلاب موجودون، وشباب المشاريع الصغيرة الجديدة موجودون.. يعني خلطة كويتية عجيبة.
فكرة رائعة
بدأت «اليمعة» بكلمة ارتجالية جميلة القتها نوره بوقريص رحبت فيها بالحضور وشكرتهم على تلبيتهم لهذه الدعوة، شارحة لماذا قامت وحمد وحمود بهذه اليمعة، وأرجعت السبب الرئيسي لها لتمازج الأفكار وتبادل الخبرات والتعارف وكسر الحواجز والخروج من الهوية السياسية التي زجنا بها عناتر المجلس والحكومة، والتي دوخت رؤوسنا وخلتنا «نتعومس» لا ليلنا ليل ولا نهارنا نهار.
فعلا كانت «اليمعة» فكرة اكثر من رائعة، لأن الحضور تمازجوا بعضهم مع بعض وتعارفوا بكل سلاسة، فلم يكن للطبقية والطائفية والمذهبية أي مكان في هذه اليمعة، اذ حل مكانها تبادل الأفكار والخبرات وعقد الاتفاقيات المبدئية لأفكار مشاريع مستقبلية جديدة، والأهم من هذا أن الجميع طوال «اليمعة» التي استغرقت ثلاث ساعات لم يتفوهوا بكلمة سياسة واحدة ولم يذكروا تصريحات قلب الأسد مسلم البراك، ولا شراسة «أندرتيكر الكويت» وليد الطبطبائي، وهذا بحد ذاته انجاز مميز يشكرون عليه. والإنجاز الثاني الذي يحسب لأصحاب اليمعة أن جميع الحضور كانوا منهمكين بالأحاديث سواء الجانبية او الجماعية، ولم يكن للعمين «اي فون» و«بلاك بيري» أي دور خلال هذه اليمعة على غرار الطلعات العادية التي نكون جميعنا بلا استثناء مجابلين بعض وعيونه اللهم ياكافي معلقة بالتلفون وصبعنا ماغير يارايح فوق او نازل تحت بشاشة التلفون وما ندري عن اللي جدامنا ولا عن هوى داره .
عزف كويتي عالمي
طبعا أنا في ذاك اليوم عشت حياتي ومثل ما يقولون «محد قدي» لأني غصت بشوربة الدجاج المتروسة بالذرة، وعقبها طقطقت بالخثاق المحموس وبعدين لحفتهم بالدجاج الحامض الحلو مع النولدلز العجيب، وكل هذا على أنغام فرقة كويتية اسمها «مزاج»، وأنا أبصم بالمليون أنه لو وجدت هذه الفرقة الدعم والرعاية الكافية لكانت وصلت الى العالمية بكل المقاييس، لأن أعضاءها شباب كويتيون مميزون عاشقون للفن الموسيقي الجميل، لذا أتمنى أن يجدوا الدعم والرعاية التي تأخذ بأيديهم وتصل بهم الى العالمية لرفع اسم الكويت.
دكتور طارق ومشية المطلقة
من بين الحضور المميز الذي كان في هذه اليمعة الدكتور طارق الرجيب، الأستاذ في العلاقات الاجتماعية وفنون الإتيكيت وغيرها من العلوم النادرة، التي يفخر الواحد بأن يكون ابن بلده بهذه العقلية وهذه الدراسات النادرة وهذا التفكير والشخصية الهادئة التي تبعث السلام الداخلي للنفس. فبينما كان يمر من جانب الطاولة التي تشرفت بالجلوس عليها لكونها تضم خيرة من بنات وشباب الكويت، استوقفته لسؤاله عن أهم ملامح شخصيتي، فصدمني بتحليلها من طريقة تحريكي ليدي قائلا: «روابي شوي شوي ترا انتي ما راح تقدرين تصلحين الكون، وبعدين هدي التحدي اللي انتي فيه لأنه التحدي مو كل مره لصالحج».
الصراحة بالبداية سكتني لأني كنت أعتقد فعلا أني أستطيع أن أفعل كل شيء على كيفي، وأستطيع اصلاح كل شيء غلط، بس الواحد ما يقدر لأنه مثل ما في الزين بالمقابل في آلاف الشين الذين بلانا ربنا فيهم بحياتنا اليومية، سواء بالعمل او بالحياة الاجتماعية، بس الواحد يحاول بكل ما أتاه الله من قوة ان يصلح «العويان اللي جدامه».
الصراحة كم المعلومات والتحليلات التي يزخر بها هذا الدكتور غير طبيعية وعلى قولة الكويتيين «مو صج»، فعلى سبيل المثال لا الحصر يقول الدكتور طارق ان مشية البنت التي تريد ان تتزوج غير مشية البنت التي لا تريد الزواج، ومشية المطلقة التي تريد أن يرزقها الله برجل ثان، غير المطلقة التي تريد ان «تعيش بظل حيطه ولا ظل راجل».
أعجبت جدا بسوالف الدكتور ودقته في تحليل التفاصيل كافة، فطلبت منه من باب تعميم الفائدة للجميع أن يحدد لي موعدا في القريب العاجل لإجراء مسح ميداني معلوماتي ينشر عبر صفحات «القبس» نحلل فيه الشخصيات العجيبة الغريبة التي تصادفنا بحياتنا.
نوره حمد حمود مشكورين
كل الشكر لشباب الكويت نوره بوقريص وحمد بوقريص وحمود الغانم على دعوتهم الكريمة وعلى هذه «اليمعة» العجيبة، التي أتمنى من كل قلبي أن تتكرر، وان تكون بداية لتجمع شبابي أكبر في المرة القادمة، لأننا بحاجة، خاصة في هذا الوقت، لإظهار المواهب والطاقات الكويتية المميزة التي يزخر بها المجتمع الكويتي. ومثل هذه التجمعات تعتبر رسالة واضحة بأن الكويت لا يوجد فيها فيها «مهاوشجية» و«مظاهرجية»، بل فيها الناس العاشقون للتميز والنجاح والإبداع والعمل بهدوء، والذين من المفترض أن يلتفت لها مهاوشجية المجلس وفرسان التنمية بعين الاعتبار، وأخذ أفكارها ومشاريعها لأنها الدعامة الأساسية للنهوض بالبلد بعد فترة السبات الطويل الذي تعانيه الكويت.. فهل من مجيب؟
آخر الكلام
أتمنى من الثلاثي الناجح نوره وحمد وحمود في يمعتهم القادمة أن يدعوا عناتر مجلس الأمة الموقر خاصة ممن تستهويهم «الهيلة» في الشوارع ورفع اللافتات لكي يستفيدوا من الهدوء والسلام النفسي الذي سينعمون به خلال الساعات الثلاث، بالاضافة إلى تعرفهم على طموحات ومشاريع الشباب الكويتي، فيفيدون بعد خروجهم من هذا التجمع الكويتي الراقي البلد بدعم هؤلاء الشباب وتبني افكارهم لمصلحة الكويت.