روابي البناي
صبحكم الله بالخير والنور والكرامة، صباح الورد بكل أنواعه وروائحه الطيبة مرسلة إليكم مع خالص الدعاء لله عز وجل أن يفتح عليكم ويرزقكم وينور بصيرتكم ويبعد عنكم كل شر.. آمين.
حتى كتابة هذه الأسطر لم تتسهل ولادة الحكومة الكويتية الجديدة، ولا أعلم إن كانت ستولد بصدور هذا العدد من القبس اليوم الأحد أم لا، لكني أتمنى من كل قلبي أن يأتي هذا الانتظار، وهذه المشاورات بالفائدة للكويت وأهلها، وتولد لنا حكومة جميلة وقوية ومتجانسة ومتضامنة، تبعد بعد العبدلي عن الخيران عن المحاصصة والترضيات، حتى لا تقع الفأس بالرأس مرة ثانية.
اليوم سنتكلم عن ظاهرة موجودة من زمان في المجتمع الكويتي، لكن كان وجودها محدودا وفي نطاق ضيق، وبالكويتي الفصيح «بالخش والدس»، أما اليوم فأصبحت «على عينك ياتاجر» وبمتناول يد الجميع في أقل من دقيقة، مع الكثير من البهارات والزيادات والإشاعات، كونها تعتمد في نقلها على وسائل التكنولوجيا الحديثة مثل فيسبوك Facebook وتويتر twitter وواتس أب What’s Up وبي. بيBB، سالفتنا اليوم تتعلق بالصور التي يلتقطها البعض في حفلات الزفاف والخطوبة، ويتسابقون بنشرها على الملأ ويتباهون بهذا، إشارة إلى قيامهم بعمل جبار، كونهم لهم السبق في نشر هذه الصور.
نفنوف شيخة جنن بنات الكويت
المسج الأول يقول «نفنوفها بسبعين ألف»، وبعد أقل من دقيقة يصحح المسج الثاني المعلومة ويقول «نفنوفها بستين ألف»، ومسج ثالث يقول «النفنوف بعشرة آلاف دينار»، وتتوالى المسجات التي تنفي وتشجب وتستنكر، والتي تقول «النفنوف بعشرين ألف وليس من التفتيحة الجديدة للماركة العالمية».. وغيرها من المزايدات التي لها أول وليس لها آخر. واستمر الحال على هذا المنوال لمدة يومين متتاليين لم يهدأ فيهما لبنات الكويت وحريمها بال، ولم يذقن طعم النوم بسبب النفنوف الذي ارتدته احدى أجمل بنات الكويت في حفل زفافها.
قصة هذا النفنوف بدأت عندما التقطت احدى المدعوات لأحدى حفلات الزفاف صورة خلسة بهاتفها النقال سببت اثر بثها ازمة لبنات الكويت وحريمها، فاقت ازمة تضارب اسعار النفط العالمية وتداعيات الثورات العربية، والردح النيابي الحكومي بين البراك والروضان.
فهذه الصورة التقطت كما ذكرت في إحدى حفلات الزفاف الكويتية لعروس ترتدي بدلة زفاف ما أن أطلّت بها على الحضور حتى أصابهم «عقر بقر» من جمالها ورقيها. والصورة التي تناقلتها الهواتف الكويتية والخليجية لهذا النفنوف الذي كانت ترتديه العروس وهي تقف بجانب زوجها على الكوشة، جرى بثها عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» ونشرها عبر بي. بي BB وواتس أب What’s Up مزودة ببعض المعلومات عن النفنوف الذي أبهر كل من رآه، وجعلت المجتمع الكويتي ينشغل عن المهاترات السياسية والتشكيلة الحكومية والسيناريو المضحك للعقيد «ابوزنقة» لمدة يومين على التوالي، وكنت أخشى أن يدرج النفنوف ضمن إحدى مواد الاستجوابات المرتقبة لحكومة ناصر المحمد الجديدة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه، والذي ربما يطرحه الكثير منكم وأطرحه أنا أيضا على نفسي: ما الاستفادة التي جنتها هذه المدعوة التي خانت ثقة أهل العرس وتعدت على خصوصياتهم والتقطت صورا لحفل الزفاف وبثت بعضا منها للعامة؟
الشيء المحزن المضحك أن هذه الفئة من الناس المتطفلين كما أحب أن أطلق عليهم، عندما يقومون بمثل هذه الأفعال يشعرون بنشوة عارمة من الفخر والسعادة كونهم قاموا بعمل جبار لم يسبقهم إليه احد، وهذا بحد ذاته ما يدعونا إلى الشفقة على هذه الفئة من البشر.
ضحكة حمد وبياض ضرس وعد
كما ذكرت لكم أن سرعة انتقال الخبر عبر وسائل التكنولوجيا الحديثة شيء مرعب ومخيف، لأنه لا يحتاج سوى ثوان ويكون جاهزا للبث مع العبارات الرنانة التي تصاحبه.
فأثناء حضوري لإحدى حفلات الزفاف الأسبوع المنصرم، واثناء دخول المعرس لقاعة الحفل على «صقال طيران القصار» وهو يغني «يامعيريس عين الله تراك»، ما هي إلا ثوان حتى بثت بصورة واضحة وضوح الشمس لهذا المعرس عبر «تويتر» وعليها تعليق «المعرس توه دش»، وبعدها بدقيقة صورة أخرى تقول «ياحلاة هالضحكة»، وبعدها صورة للمعرس وعروسه وهما يبتسمان للمعازيم والأهل، لكن هذه المتطفلة المريضة بثت الصورة مع تعليق قارنت به بين بياض أسنان المعرس والعروس، وطبعا من «زود الحرة اللي ذابحتها» لم يبق عيب من عيوب الدنيا الا طلعته بالعروس. وآخر المشوار افتت هذه المتطفلة بأن العروس قامت بعمل تبييض لأسنانها وان لثتها «تلوع الجبد»، وغيرها من التعليقات السخيفة المريضة كصاحبتها.
ولك أن تتخيل عزيزي القارئ أنني كنت أشاهد ما يحدث في الحفل مرتين، مرة في بث مباشر لكوني موجودة في القاعة، وأخرى وفي الوقت نفسه عبر هاتفي النقال، ولكن مع وجود تفاعل وتعليقات ممن تلقوا الصور التي بثت لمراسم حفل الزفاف.
فلك أن تتخيل عزيزي القارئ أن أسرار الناس وخصوصياتهم تبث بهذه السهولة وهذه اللامبالاة للعامة من دون ادنى مسؤولية أو احترام أو خوف، بل العكس بكل فخر وتباهٍ. وهذا ما أراه من وجهة نظري المتواضعة شيئا في غاية الخطورة، لأن فيه تعديا صريحا على حريات الناس وخصوصياتهم.
والشيء الأكبر من مسألة التعدى، هو خيانة الثقة والأمانة لهؤلاء الناس الذين احترموا هذه المدعوة وغيرها، ممن هم غير جديرين بالثقة لاختراقهم خصوصيات الناس الذين دعوهم لمشاركتهم أفراحهم.
شبكتها مو VVS
ومن التفاهات التي شهدتها اثناء حضوري هذا الحفل الذي بثت وقائعه عبر «التويتر» صوتا وصورة أولا فأولا، ان مجموعة البنات التي كانت تجلس خلفي كانت من سلالة زرقاء اليمامة لشدة ملاحظتهن وبُعد نظرهن، يعني بالكويتي من النوع «لمشنص»، لأنهن لم يدعن شيئا لم يحللنه أو «يفصصنه» أو يتكلمن عنه، حتى علب الكلينكس التي كانت مغطاة انتقدوها وقالوا إنها من النوع الرخيص وليست من النوع الغالي.
وآخر المتمة وبعد أن رقصن و«لففن الأولى والتالي اللي بالبوفيه»، وترسن بطونهن بدأ مسلسل الحش والنميمة والانتقاد للعرس والعروس، خاصة كما ذكرت لك عزيزي القارئ انهن بنات وشكلهن يدل على ان النصيب لم يطرق بابهن بعد. فخنت حيلي العروس «قطعوا جنبها من الحش»، واحدة تقول «حاجبها عوي» والثانية تقول «هذا اشيبي بهالهولة اكيد مسويتله شي!»، والثالثة تقول «ويع شالذوق هذي بدلة؟»، ويأتي الإبداع من الرابعة التي تقول «واي شالهلاقة حتى شبكتها مو الماص VVS هذي شلون خذاها؟».
طبعا هذا كله مبثوث بالواتس اب والبي بي وتويتر، ولك ان تتخيل عزيزي القارئ كمّ التعليقات التي تأتي بعد هذه المسجات، والتي لا تكشف الا عن شيء واحد فقط هو الغيرة والحسد.
دعوا الخلق للخالق
نصيحتي لبنات هذه الأيام اللواتي لا أجد وصفا يليق بمواهبهن التويترية خاصة بحفلات الزفاف والخطوبة، واللواتي أدعوكم أعزائي القراء أن تتضرعوا إلى المولى العلي القدير بكل صلاة تصلونها أن يشفيهن من المرض المزمن الذي ألمّ بهن وطيّر النوم من عيونهن وجعل «زيرانهم تطلع» بمجرد أن يسمعن أن فلانة خُطبت أو فلانة تزوجت أو يحضرن حفل زفاف.. أنصحهن بأن يدعن الناس بحالها، وأن يصفين قلوبهن من الحسد والغيرة حتى يفتح الله عليهن، فأنت يا من قمت بتصوير النفنوف وبثه للناس مع فتح مزاد علني على سعره، ما عليك إن كان النفنوف بسبعين ألفا أو بمليون دينار؟ أنت «شباط جبدج؟» وأنت يا من تصورين المعرس وهو واقف بالكوشة مع زوجته وتكتبين «يا حلاة هالضحكة»، أو عبارة «شالعسل» ما قصدك؟ وأنت التي لم تجدي شيئا تنتقدينه إلا أن «شبكة العروس اللي لابستها الماصها موVVs»، مادري هل درجة نقاوة الألماس هي التي تحدد نجاح الزواج من عدمه؟
أنا أقول «بلعوا العافية أحسن» وخلوا الناس بحالهم وفكوهم من شرّكن، وكل واحدة تطالع روحها بالنمظرة وتحمد ربها وتشكره، ومالكم شغل بخلق الله.
تعلمن أن تتمنين الخير للناس حتى يفتح الله عليكن ويوفقكن و«تتيسرن» ونفتك من شرّكن وبثكن لخصوصيات الناس وأسرارهم. وتذكرن انه كما تدين تدان، فكما قمت انت بتصوير واختراق خصوصيات الناس وبثها للعامة و«التطنز» عليهم، ستدور الأيام وستجدين نفسك في الموقف نفسه، وسينضحك عليك كما ضحكت. على الناس.
آخر الكلام
أعود وأقول إن مواقع التواصل الاجتماعي (الفيسبوك والتويتر وغيرهما) ليست موجودة لفضح أسرار الناس أو لكتابة التفاهات و«التطنز على الأوادم»، وأتمنى أنكم كما تقومون بتقليد الغرب في كل الأشياء التي ترونها من وجهة نظركم هي التمدن والكشخة والستايل، أن تقلدوهم في أبسط شيء، وهو كيفية استخدامهم لهذه المواقع وغيرها، وكيف يحترمون خصوصيات الناس ولا يتعدون عليها.