روابي البناي
يا صباح الخير والحب والسعادة والتفاؤل والتوفيق من رب العالمين عليكم أحبائي. بداية أسبوع جميلة ومليئة بالنشاط والنجاح والتميز لكم ولكل من يعز عليكم. قبل أن استهل بسرد سالفتي الأسبوعية معكم أحب أن أتطرق إلى حدثين شهدهما الأسبوع المنصرم في بلدي الحبيب الكويت. أولهما «العفرة» التي أتتنا يوم الجمعة قبل الماضي، والحمد لله ربي قدر ولطف بنا، لكن هذه العفرة الترابية التي أصابت الكويت، أكدت للجميع شيئا واحدا أن الكويتيين كلهم على قلب واحد، سني وشيعي، حضري وبدوي، صغير وكبير، باختلاف طبقاتهم الاجتماعية والعلمية. وهذا ما دلت عليه كمية المسجات سواء التي كانت تغرد بتويتر أو عبر الهواتف النقالة وتكنولوجيا what’s up أو BB، فالكل بعث رسائل والكل كان خائفا على الثاني.
حتى في الشوارع كان الكل متعاونا و«حاط باله» على الثاني لأنه «هذول أهمه الكويتيين»، وقت الأزمات يبين معدنهم الأصيل الذي يحسدهم عليه الكثيرون. عسى ربي يحفظكم ويحفظ ديرتنا ولا يورينا مكروها أمين يا رب العالمين.
وعلى طاري عفرة يوم الجمعة، اتمنى من تلفزيوننا «الدايخ» ومسؤوليه «الأدوخ» أن تكون هذه العفرة أيقظتهم من سباتهم، لأنهم بتقاعسهم زهقت أرواح بشرية وضاع أطفال وحصلت خسائر جسيمة. كما أتمنى من معالي وزير النفط والإعلام الشيخ أحمد العبدالله الصباح، الذي ولله الحمد بدأ يحط رحاله على أرض الوطن لفترات أطول من وجوده بالخارج، أن ينزع النظارة عن عينيه وأن يرى هؤلاء «الكهلة» المعششين بالتلفزيون (من يوم ما كنت أمص صبعي حتى اليوم) كيف تسببوا بكارثة فوق الكارثة الطبيعية التي تعرضنا لها، ونحن في انتظار قرار حكيم ورادع منه قبل أن يستقل طائرته الى جهة جديدة لافتتاح معرض أثري أو حضور اجتماع نفطي.
سب وضرب في الفصول
أما الحدث الثاني الذي عصر قلب كل من رآه، فهو مشهد الفيديو الذي جرى تداوله عبر الهواتف النقالة والكمبيوتر، وبثته احدى القنوات الفضائية الكويتية الخاصة في نشرتها الإخبارية الشيء الذي تشكر عليه، وهو منظر المدرس الوافد الذي يقوم بسب وضرب الطلبة في الفصل التربوي. فأنا أتعجب من معالي الوزيرة الأنيقة الجميلة الدكتورة موضي الحمود، فأنت يا أم أحمد في قمة الرقي والذي اعرفه ان ذوقك لا يعلى عليه وتحبين الزين، فكيف وافقت أن يُعيَّن هذا الوحش البشري، الذي لا يصلح حتى أن يكون جزارا بمسلخ، لتعليم أبنائنا وتثقيفهم؟
نحن نشد على يدك بقرار توقفيه عن العمل، لكن هل هذا كاف لكي يكون رادعا لغيره؟
المفروض أن يحقَّق معه وإظهار نتيجة التحقيق للناس، ومن ثم أخذ قرار بالتعاون مع الداخلية الكويتية بختم جوازه ضمن المبعدين عن البلاد لكونه ارتكب شيئا يخل بكرامة الفرد الكويتي، وهذا اقل ما يجب فعله، وليس الاكتفاء بتوقيفه عن العمل ومن ثم ينام الموضوع وتعطونه مستحقاته وتسفرونه، وبعد كم سنة نجده استأجر شقه في حولي ويعطي فيها دروسا خصوصية مثل غيره وغيره…
فيا أم أحمد عيالك الكويتيون أهينوا في زمن تتولين فيه قيادة وزارة التربية، والكل في انتظار «مرايلج السنعة» يا دكتورتنا.
أناس منا وفينا
نعود إلى سالفتنا التي أحب أن اخصصها للتحدث عن أناس عشنا معهم من أول ما خرجنا إلى الدنيا. فمن أول ما طلعتنا امنا من بطنها ولهت باستقبالها الذي قعدت تجهز له من اول ما عرفت انها حامل، وانا وجه بوجه مع هذا الوجه الأسمر القمحي الغامق وهذا الشعر المدهن وهذي الريحة المميزة، وهذه الشمة التي «ننشفط فيها» على أساس أنها «بوسه»، فلا أحد ينكر معرفته بأصحاب هذه الإشارات التي ذكرتها، لأنهم منا وفينا «ويعرفون النون وما يعلمون» عن أدق تفاصيل حياتنا وحياة اللي يابونا. فهل عرفتوا أبطال سالفتي اليوم؟؟
أبطالي اليوم هم كومار وبابو وميري وسوناتا، والبقية تأتي.
كومار والمزار
الذهاب الى الجمعية بالنسبة للكويتيين واجب يومي كواجبات الطلبة في المدارس، أو دوام رسمي كدوام الموظفين بالدوائر الحكومية. فلا بد من زيارة خاطفة للجمعية التعاونية كل يوم لسد احتياجات البيت، وهذا بالنسبة لي امر طبيعي. لكن غير الطبيعي أن تكون هناك ما بين عشر الى عشرين زيارة باليوم للجمعية، فحتى مطبخ البيت الأبيض لن يحتاج إلى هذا الكم الكبير من هذه الزيارات للجمعية.
لكن في الكويت كل شيء غير (يالله من فضلك)، فكومار هذا السائق المسكين (الذي طاح حيله من كثر التطرش للجمعية) صار وجهه من التعب أطول من يوم الأحد بالنسبة للموظفين بعد عطلة نهاية الأسبوع، والسبة أن «ماما كبير» نسيت أن تقول له عندما ذهب إلى الجمعية اول مرة، انها قررت تسوي ريجيم، ويجب أن يذهب مرة اخرى ليشتري لها كيوي وعصير اناناس حتى تسوي خلطة تشربها وتحرق الشحم. فيذهب كومار ليشتري الكيوي والأناناس حق ماما.
بعدين دور بابا.. «روح الجمعية اشتر لي موس حلاقة لأن المواسه كلها خلصت ونسيت اقولك»، فيذهب كومار مرة أخرى إلى الجمعية ليشتري «مواسة بابا». وبمجرد أن يدخل غرفته حتى يرتاح، تطرب اذنيه صرخة ساروه: «كومار روح الجمعية اشتر لي المجلة الفلانية يقولون حاطين صورة وحده معانا بالجامعة.. ابي اشوف هالهوله شمسويه بعمرها»؟
ويذهب كومار المسكين مرة رابعة ليشتري لساروه المجلة حتى «تبلغ شفها» وترى البنت المنشورة صورتها. وأول ما يسلم ساروه المجلة يمسكه حمود من عتراه ويقول له: «كومار روح الجمعية مشتهي ككاو بونجوم وعلك بوسهم روح اشتري وتعال».
ويتكرر المشهد، يذهب كومار إلى الجمعية حتى يشتري ككاو وعلج لحمود ويرجع. وأول ما يقبل على البيت يلقى ماما عوده ( يعني الجدة) تقول له: «كومار وينك فيه يلا تعال انا بروح الجمعية بشتري اغراض».
فلا يجد كومار المسكين، الذي باع بقرته وبقرة اهله بديرته حتى يأتي إلى الكويت ويشتغل ويكون نفسه، إلا أن يقول «هذا كويتي واجد مشكل. انا لازم يروح حق بابا مسلم البراك علشان يسوي استجواب حق رئيس الحكومه يقول ليش هذا كويتي ما فيه كلام مره واحده؟ اكيد هذا رئيس يسوي شي حق كويتي مخ خراب».
ميري والقاري
قبل فترة كنت معزومة في احد شاليهات الخيران. وأنا، والعياذ بالله من كلمة أنا، أحرص عندما اكون بالشاليه أن أصحو من النوم في وقت مبكر حتى استمتع بهدوء الصباح وجمال الطبيعة، خاصة إذا كان الجو رائعا.
وبينما كنت أتأمل الطبيعة كسر هدوئي وسكينتي صوت أحد أطفال الشاليه المجاور، فاستغربت من وجوده بالخارج في هذا الوقت، علما بأن عقارب الساعة لم تكن استقرت على السادسة صباحا بعد. ومع ذلك فهذا الولد ذو الستة أعوام خارج المنزل في هذا البرد وراكب القاري (الدراجة)، والذي لفت نظري أكثر وجود هذه الخادمة التي لو نفخت عليها لطارت من كثر هزالها وضعفها وهي مكتسية بالملابس الثقيله احتماء من البرد في الوقت الباكر.
فهذه الخادمة التي كانت سهرانة ليلة أمس بعد ما قامت بإعطاء هذا الطفل العشاء وتنويمه، بدأت دوامها الثاني بالإعداد لوجبة العشاء للمعازيب والشوي (علشان يترسون كروشهم)، وبعد ذلك نظفت الشاليه ورتبته، يعني هذه الخادمة المسكينة لم تضع رأسها على المخدة الا الساعة الثانية صباحا. وبعدها بأربع ساعات يصحيها «النزغه» الذي شبع نوما. وطبعا ستحدث كارثة لو انها حاولت أن تجعله ينام ولو لساعة اضافية حتى ترتاح لأن وراءها يوما حافلا، خاصة أن المدام دعت الأكو والماكو إلى الشاليه، واسمها سيتردد على لسان كل الذين في الشاليه «ميري ييبي ماي، ميري عطيني عصير، ميري وين اهدومي؟ ميري وين تلفوني؟ ميري ليش بنطلوني معفس؟ ميري تعالي مشطي شعري. ميري تعالي همزي ريولي».
خنت حيلي هالميري، فمنظرها قطع قلبي وهي تمسك بيدها اليمين صحن وجبة الإفطار لهذا الجني «الفازع» من صباح الله خير، وباليد الثانية تمسك «القاري» حتى «النزقة» لا يدبق ويتعور، بعدين «أم نكره ونكير» التي تشخر فوق تلعن والديها الوالدين وتخصم من معاشها.
أنا لا أقول غير ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، ترا انتم لم تشتروهم ولم تستعبدوهم، وتذكروا أن عيالكم وبيوتكم تحت ايدهم، والواحد له طاقة يتحمل فيها بعدين ينفجر.. ويا ويلكم اذا انفجروا.
البلعة والفضلة
من المشاهد التي كثيرا ما نرصدها أثناء وجودنا في المطاعم وجود بعض الأسر الذين ترافقهم خادمة وتجدهم يجلسون إلى الطاولة ويتركونها واقفة، أو يخلونها تقعد وتعطيهم ظهرها (ليش عقاب؟).
وتجد عينا هذه الخادمة المسكينة تتلاقط على الأدوام (تشوف منو اللي يطالعها ومنو اللي يتناغر عليها)، كونها في وضع غريب كأنها منبوذة. أما الطاقم العائلي الذي جاءت معه فهو «عمك أصمخ»، عايشين حياتهم بالأكل. فالأم في عالم ثان من الضياع مع كبة البرغل اذا كانوا بمطعم لبناني أو مع البرياني اذا كانوا في مطعم هندي. والأب مفسر عن ذرعانه وطايح له (تهبس)، واليهال اللي حاط لقمتين بحلجه من الشفاحه والثاني يلعب بالكاتشاب من دون حسيب ولا رقيب، وهذه الفقيرة قاعدة تشم الرائحة حتى ماي ما عطوها. وعقب ما يترسون كروشهم ويشبعون تلقى الأم تحط لها الفضلة من صحنها وصحن رجلها وباقي فتافيت اليهال، وتتدزه لها أمام الناس قائلة لها «اكلي».
رجاء رجاء رجاء
ارجع وأكررها لكم مليون مرة «ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء». هذه بعض الصور لتصرفات بعض العوائل مع الخدم، أتمنى وأتمنى ثم أتمنى أن تحسنوا يا جماعة الخير التعامل معهم تراهم بشر وتراهم أولاد ناس كما انتم أولاد ناس، وترا الدنيا زائلة ودوام الحال من المحال. فالرحمة زينة والكلمة الطيبة حسنة، ولا تنسوا أن هؤلاء شايلينكم وشايلين بيوتكم، تخيلوا انهم يعتصمون ويسوون اضرابا وما يشتغلون، شيصير فيكم؟ انتم لا تتحملون يوما واحدا من دونهم، فأحسن لكم ان تحسنوا معاملتهم.
آخر الكلام
أتوجه عبر هذه الأسطر بالشكر الجزيل لكل المربيات والمساعدات، كما احب ان اطلق عليهن وليس الخادمات، على خدماتهن وعلى تحملهن لنا ولغثانا طول هذه السنين، واقول لهن «كفيتوا ووفيتوا»، وإن كانت هناك بعض البيوت الكويتية التي لا تحسن معاملتكن ترا اصابع أيديكن ليست واحدة. ففي بيوت كويتية كثيرة تعتبر المربية أو المساعدة واحدة من العائلة وتعاملها كما تعامل بناتها.
كما أتمنى من أصحاب المكاتب التي تقوم باستقدام العمالة المنزلية أن تراعي الله فيها، وأتوقع أن منظر عرضهم بالمكاتب للمارة منظر غير حضاري، لأننا لسنا في زمن الرقيق.