محمد عبد القادر الجاسم
«.. وتشير المحكمة إلى أن ما أتاه المتهم الثاني من فعل المساعدة في إفشاء المعلومات المصرفية بجلسة علنية داخل مجلس الأمة وبما تتحقق به العناصر القانونية لهذه التهمة، يعد فعلا مؤثما أتاه العضو داخل قاعة مجلس الأمة تجوز مساءلته عنه ولا تشمله الحصانة البرلمانية..».
الفقرة السابقة منقولة من الحكم الابتدائي الصادر بإدانة عضو مجلس الأمة السابق الدكتور فيصل المسلم. وعلى الرغم من خلو أوراق القضية من أي دليل يثبت التهمة على الدكتور فيصل المسلم، إلا أن ما يعنيني هنا ليس وجود الدليل أو عدم وجوده، بل ذهاب المحكمة إلى أن الحصانة البرلمانية لا تشمل أقوال أو أفعال عضو مجلس الأمة داخل قاعة المجلس. إن هذا التقرير من المحكمة يتعارض بوضوح مع المادة (110) من الدستور التي تنص على أنه «عضو مجلس الأمة حر فيما يبديه من الآراء والأفكار بالمجلس أو لجانه، ولا تجوز مؤاخذته عن ذلك بحال من الأحوال»، فإذا أخذنا برأي المحكمة فإن مؤدى هذا الرأي تفريغ المادة الدستورية من قيمتها، وبالتالي إضعاف دور عضو مجلس الأمة في الرقابة على أعمال الحكومة. إن إخضاع أقوال أو أفعال عضو مجلس الأمة في قاعة المجلس وخلال الجلسات الرسمية إلى الرقابة القانونية، وإجازة مقاضاته عما يفعل أو يقول يهدر صفته النيابية، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه لمحاسبة النواب عن الأسئلة البرلمانية التي يوجهونها للوزراء وعن الاستجوابات وغير ذلك من الأعمال البرلمانية، وهو ما يعني حقيقة إسقاط مبدأ الفصل بين السلطات الذي يشكل العمود الفقري للحكم الديمقراطي، وفيه أيضا تغليب للسلطة القضائية على السلطة التشريعية بما يخل بمبدأ التوازن بين السلطات.
إن أسباب الحكم الابتدائي الصادر ضد الدكتور فيصل المسلم لا تقوى على حمل نتيجته إطلاقا، لا من جهة الإدانة حسب الوقائع ولا من إهدار الحصانة، والأمل معقود على محكمة الاستئناف في تصحيح هذا الحكم. وفي حال أيدت محكمة الاستئناف حكم الإدانة، وقامت الحكومة باستغلال تلك الإدانة في شطب اسم الدكتور فيصل من قائمة الترشيح، فإن هذا يعني أن نظام الحكم الديمقراطي في الكويت في طريقه للانهيار!