” ظهر الفساد في البر و البحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون” من سورة الروم
استطاعت ثورة 25 يناير البيضاء القضاء على رؤوس الفساد الذين لعب الشيطان بعقولهم و زين لهم أعمالهم فضلّوا عن الرشد و عن سبيل الحكمة و عبدوا الطاغوت من دون الله فكان عاقبتهم الذل و المهانة في الحياة الدنيا و سخط الشعوب عليهم و دعاء المظلومين الذي لا يرده الله أبدا فأصبحوا عبرة و مثل لمن يعتبرغير أنّ عملية تطهير البلاد ليست بالأمر الهين و تحتاج إلى الصبر و التصابر و التضحية و بذل النفس و المال فهناك أصابع خفية تحاول في الظلام العبث بستقبل البلاد و العمل على تدمير الأمة من أجل أفراد عصابة الحزب الحاكم المنصرم و فلول النظام السابق بعد أن أحبطت الثورة العظيمة أعمالهم الخبيثة و أسقطت الأقنعة من على وجوهم فظهرت حقيقتهم المؤلمة و رأى الجميع وجوههم القبيحة بدون كذب أو تجميل مما يستوجب إجراء عمليات تطهير مستمرة و ذلك عن طريق التخلص من أجنحة الفساد و أنيابه الشرسة- كما تخلصنا من رؤوسه- فهناك عدة أمور هامة يجب إعادة النظر فيها في فترة ما بعد الثورة و ذلك لمناهضة الفساد الذي ساد البلاد في البر و البحر في السنوات البائدة.
الفساد الإداري
يجب على الحكومة الحالية أن تضرب بيد من الحديد على الفساد الإداري الذي فاحت رائحته في كل مكان و ذلك عن طريق التخلص من الكثير من الوجوه القديمة التي ما زالت تحتل المراكز القيادية في الوزارات و الإدارات و النقابات و المحليات رغم أنفنا حيث اختارها أمن الدولة في السابق حتى يصبحوا أدوات و عيون لهم في كل مكان كما يجب أيضا الاستغناء عن الشئون القانونية الكائنة في هذه الوزارات و المديريات و الإدارات لعدم نزاهة الكثير من القائمين على العمل في هذا القطاع و افتقارهم إلى الموضوعية و الشفافية و المصداقية و تواطئهم مع السلطة بكافة أشكالها و درجاتها على أن يرفع أمر المخالفات أو أي مشكلات متوقعة في مجال العمل إلى سلطة قضائية حيادية- كلجان فض المنازعات مثلا- لا تتحيز إلى فريق على حساب فريقا أخر كما يحدث الأن فأصبح الحديث عن الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان مجرد نظريات و شعارات ليس لها وجود حقيقي على أرض الواقع.
لجان مناهضة الفساد
يلجأ الكثيرون من أصحاب المظالم إلى لجان فض المنازعات التابعة لوزارة العدل في مجمع التحرير غير أنّ هناك نوعا من المحاولات الخفية التي يشنها بعض الفاسدين ضد هذه اللجان التي أقرّها القانون رقم 7 لسنة 2000 و محاولة النيل من هيبتها و تهميش سلطتها بتجاهل قراراتها بالرغم من أهمية الدور الذي تلعبه هذه اللجان لما عرف عن جدية و موضوعية و شفافية القائمين على العمل فيها لحماية حقوق الإنسان تحت مظلة و سيادة القانون و التشريعات الموضوعية الحاسمة التي تعيد الحقوق الضائعة إلى أصحابها و مناهضة الفساد الإداري و السلبيات المدمرة التي يعاني منها موظفو الدولة من ظلم و قهر و تسلط و جزاءات تعسفية بدون سند قانوني أو أي أدلة وشواهد مما يجعلهم تحت رحمة رؤساء لا يتقون الله فيهم و لا يرقبون في مؤمن إلا وذمة
فكثرت في الأونة الأخيرة العقوبات الظالمة من نقل و خصومات جائرة من الراتب الهزيل الذي لا يسد جوع هؤلاء المساكين و لا يكفي لشراء حاجتهم الأساسية من مسكن و مأكل و مشرب و حين يدفع الشعور بالظلم هذا الموظف لتقديم تظلم من الشئون القانونية التابعة لإداراته – و التي تعد في الغالب مجرد أداة لخدمة السلطة و كبار الموظفين- لجهة أعلى تعود الشكوى مرّة أخرى للمشكو منه للبت فيها و بالطبع يرفضون التظلم لأن الشئون القانونية في أغلب الأحيان تستفيد من هذه الخصومات المالية مما يجعلهم يلعبون دور الخصم و الحكم في ذات الوقت محاولين خصم أكبر قدر ممكن من رواتب الموظفين ربما لمخالفة أو تجاوزات بسيطة أو حتى بدون أي تجاوزات فلجان الشئون القانونية داخل الأجهزة الإدارية الفاسدة تدرك اللعبة جيدا و يعرفون أنهم لن يحاسبوا و يكفي أن شكوى المتضررين منهم تعود لهم مرّة أخرى عن طريق الوزارات التابعة لهم أو أي أجهزة رقابية أخرى ليعيدوا النظر فيها بأنفسهم و النتيجة معروفة بالطبع يرفضون التظلم و يضعون هذا الشاكي في قائمتهم السوداء حتى يكون عبرة لغيره من الموظفين الذين يضطرون لقبول الظلم و الأمر الواقع فوق رؤوسهم خاصة عندما يطرقون أبواب نقابتهم دون جدوى فأعضاء النقابة يرشحون أنفسهم في أغلب الأحيان لتحقيق مصالح شخصية ليس للدفاع عن حقوق المظلومين التي استباحها شياطين الأنس من الأشرار الفاسدين نتيجة للجهل و انعدام الضمير.
انهيار التعليم
حرصت الحكومات السابقة على اختيار وزير للتعليم من غير المتخصصين في مجال التربية و التعليم بالرغم من وجود كفاءات مصرية لا يستهان بها دوليا في مجال العلوم التربوية و لا أدري ما سر هذا التخبط و تبديل الأدوار عندما يرشحون طبيب أو مهندس أو رجل قانون للعمل القيادي و صناعة القرار في مجال التربية و التعليم فأحدهم على سبيل المثال أصدر قرارا ليلغي الصف السادس الابتدائي و بعض عدة سنوات جاء وزير أخر فأعاد الصف السادس كما كان دون أن يعرف أحد الحكمة و المنطق من هذه القرارات المتناقضة كما اندهشت أيضا عندما رأيت وزير تعليم سابق أخر من غير المتخصصين يتحدث في إحدى اللقاءات التليفزيونية عن امتحانات الكادر الخاص فعكس ذلك اللقاء عدم درايته بالكثير من النقاط الفنية التي يفهمها المتخصصون جيدا فضلا عن الوضع المادي و الأدبي المتدني للمعلمين و المناهج المملة العقيمة و طرق التدريس التي عفا عليها الزمن و أساليب التقويم المتخلفة التي عجزت عن مواكبة العصر التكنولوجي الحديث فكانت النتيجة تدني مستوى التعليم و انتشار الأمية بين الدارسين في المدارس الابتدائية و حتى الاعدادية و مدارس التعليم الفني في المرحلة الثانوية كما هبط مستوى طلاب الجامعات و ضعف مستوى الأبحاث العلمية و رسائل الماجستير و الدكتوراة نتيجة لعدم وجود الدعم الكافي الذي يساعد الباحثين على الإبداع و الابتكار الذي يصنع حضارة الأمم و الشعوب.
نظام سياسي قمعي قائم على انتهاكات حقوق الأنسان
إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) من سورة المائدة
لم تزحف الشعوب الثائرة من جميع محافظات مصر إلى ميدان التحرير من فراغ و لكن نتيجة لأسباب كثيرة من أهمها انتهاكات حقوق الإنسان المصري تحت مظلة نظام بوليسي قمعي يعامل الشعب على أنهم مجرد عبيد ليس لهم أي حقوق في خيرات بلادهم المنهوبة فضلا عن عمليات البلطجة الحقيرة و تزوير الانتخابات للعبث بإرادة الشعوب و سياسة الاحتكار التي أدت إلى ارتفاع الأسعار بصورة غير محتملة لا تتناسب بالمرة مع متوسط دخل الفرد و بيع أراضي و ممتلكات الدولة تحت مظلة ما يسمى بنظام الخصصة و تزواج السلطة و المال و التفاوت الطبقي الجائر الظالم فجريمة عضو مجلس الشورى هشام طلعت مصطفي- على سبيل المثال لا الحصر- في التحريض على قتل المواطنة اللبنانية سوزان تميم ليست ببعيدة ففي الوقت الذي أنفق فيه الغالي و النفيس من أموال الدولة طارة من أجل نزواته معها و طارة أخرى للتخلص منها عندما أعطت له ظهرها نجد الملايين من أبناء الوطن يعيشون تحت خط الفقر لا يجدون الطعام الذي يسد جوعتهم و لا المسكن أو المأوى المناسب الذي يحميهم من حر الصيف أو من الأمطار و برد الشتاء القارس و إذا دفع الفقر و العوز و الحاجة أحد هؤلاء المساكين للخروج عن القانون من أجل شراء رغيف عيش أو زجاجة دواء يعامله النظام الجائر على أنه مجرم خطير فيدفع حريته ثمنا لجريمة ارتكبها رغما عنه بينما يعيش المجرمون الذين دفعوه لهذا المصير أحرارا يسعون في الأرض فسادا لأنهم كانوا يعلمون جيدا أنهم فوق القانون الذي لا يطبق إلا على الضعفاء و المساكين فقط و لكن التشريعات الربانية و القوانين السماوية لها حسابات أخرى مختلفة تماما حيث لن يوجد حينئذ أي فرق أو تمييز في يوم الحساب بين الأمير وسائق الحمير.
أسوأ الفساد فساد الأفضل
Corruption of the best becomes the worst
قال الأديب العالمي الكبير وليام شكسبير في إحدى قصائده الشعرية : ” للزناديق الفاسدة رائحة أشد نتانة من رائحة الأعشاب الضارة” حيث أخذ شكسبير هذه الكلمات عن المثل اللاتيني القديم أسوأ الفساد فساد الأفضل فالرأس الفاسدة تفسد الجسم كله مثلها مثل القيادات الفاسدة حين تصبح كالسرطان فتنشر الفساد بدورها في المجتمع كله فالقيادة الفاسدة لها أهداف و فلسفات و خطط فاسدة مما يؤدي إلى اختيارها و تفضيلها للعناصر الفاسدة ليحتلوا صدارة السلم الوظيفي و صناعة القرار لتنفيذ هذه الأهداف الخبيثة الماكرة فيصبحون أنياب حادة شرسة لحماية السلطة و البقاء عليها من خلال مقاومة و إجهاض أي محاولات محتملة لمناهضة الظلم و الفساد في جميع أجهزة الدولة مما يجعل تغيير هذه الوجوه القديمة التي كانت تمثل الفساد بكافة أنواعه في الفترة البائدة ضرورة عاجلة في الوقت الراهن لتطهير البلاد و الحفاظ على أهداف الثورة البيضاء من الضياع و لا شك أن هناك بعض الخطوات الإيجابية التي اتخذتها الحكومة الحالية للتخلص من هؤلاء الأشرار حين قضت على المحليات الفاسدة التابعة للحزب الوطني البائد كما أصدرت قرارا مؤخرا بإقالة أكثر من 500 لواء شرطة و أكثر من 200 عميد في وزارة الداخلية لتورطهم في الهجوم المشين على المتظاهرين من أبناء الوطن الشرفاء في موقعة الجمل الشهيرة و أتمنى أن تعمل الحكومة الحالية على تطهير جميع الوزارات و النقابات و أجهزة الدولة- و ليست وزارة الداخلية فحسب- من الفساد عن طريق إعادة الأمور لنصابها فيتولى قيادة الأمور من هو أصلح و أفضل لتحقيق أهداف نبيلة سامية لتنمية و تطوير الدولة من أجل الصالح العام و ليس أصحاب الصوت العالي الذين يصلون إلى السلطة بالبلطجة ضاربين عرض الحائط بمصلحة الوطن لأنهم عملاء خونة و لا يشغل بالهم سوى أنانيتهم و مصالحهم الشخصية مهما دفع الأخرون من ثمن باهظ نتيجة لممارستهم و أهدافهم و نواياهم الخبيثة.
الجهاد في سبيل الله
إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (20) كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ( 21) سورة المجادلة
لا شك أن مصر بلد عريقة لها تاريخها و حضارتها العظيمة و يكفي أنا اسمها ورد في أيات القرأن المقدسة فهي أهم و أكبر دولة في منطقة الشرق الأوسط و شوكة مؤلمة في الكيان الصيهوني مما جعلها مستهدفة من الداخل و الخارج منذ زمن بعيد فالكثير من أعداء الله يريدون أن ينالوا منها و يقضوا على الأخضر فيها و اليابس كما فعلوا من قبل في العراق و ذلك من خلال نظام فاسد خائن عميل تابع لهم يحكم البلاد لينفذ لهم ما يبتغوه من أغراض دنيئة خبيثة من تخريب و تدمير كما حدث في النظام السابق الذي باع الوطن لتحقيق أطماعه من الثراء الفاحش و حيازة المال و الأرض و الصراع بين الخير و الشر كائن و موجود في كل زمان و مكان وذلك منذ بدء الخليقة و الله عز وجل يبشرنا في الكثير من الأيات الربانية بالغلبة الدائمة للحق على الباطل مهما طال الزمن و مهما كانت شراسة أنياب الفساد و لكن الأمر يحتاج منّا جميعا إلى الصبر و التصابر و تضافر الجهود و المقاومة الباسلة و الجهاد والمناهضة المستمرة للفساد للقضاء عليه حيث يساعد الخوف و الصمت و السلبية على هيمنة الفساد و انتشار الظلم ولقد وعد الله المؤمنين و المجاهدين في سبيل الله بالنصر والله لا يخلف وعده أبدا و هناك الكثير من الأمثلة و الشواهد في التاريخ الإنساني التي يؤكدها ما ورد في أيات القرأن الكريم التي تدعو إلى الجهاد و الصمود مثل قوله تعالى: ( بلى إن تصبروا و تتقوا و يأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة ألاف من الملائكة مسومين) سورة أل عمران و قوله تعالى: ( يا أيها الذين أمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم و اتقوا الله و على الله فليتوكل المؤمنون) سورة المائدة
و من يدافع عن الحق فهو بدون أدنى شك مجاهدا في سبيل الله و جزاءه الجنة ذلك الفوز العظيم و النعيم الخالد و لنا في الرسل و الأنبياء القدوة الحسنة فهم أشد الناس ابتلاء مما أصابهم من أذى و ظلم يصل إلى درجة القتل و الجريمة لمجرد الدعوة إلى الحق و العدل و الخير و الفضيلة فأعداء الله من الفاسدين و الظالمين و المجرمين- في كل زمان و مكان- هم أشد الناس كراهية لهذه القيم النبيلة لأنها تتعارض مع أنانيتهم و أطماعهم الدنيوية الزائلة الدنيئة و هذا ما يفسر لنا ظهور أصوات من الداخل و الخارج من وقت إلى أخر تحارب فكرة قيام دولة دينية و يعملون على محاربة و مناهضة التيارات الدينية ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب ولكن في العالم كله شرقا و غربا عن طريق التطبيع و الغزو الثقافي حتى يفقد شباب الأمة الهوية فيشعرون با لحيرة و الضياع وسط زحمة التيارات الفلسفية المختلفة في زمن العولمة الذي أصبح فيه العالم كالقرية الصغيرة فتراثنا الثقافي العظيم و المنهج الرباني القويم الموثق في أيات القرأن العظيمة يساعدنا على الوقوف على أرض صلبة و اكتشاف الحقيقة من خلال التفكير الحكيم و التأمل و التدبر فيما يحدث حولنا و الحكم على الأمور من خلال التشريعات الربانية التي تعطينا بدورها معايير موضوعية مستمدة من القرأن و السنة النبوية التي لا تنطق عن الهوى.