كتب : عدنان وادي
حين تقف الجماهير وتقول للظالم لا حين تنتفض الشعوب وتقول للجلاد كفى, حين تكشر الأمة عن أنيابها وتقول للطاغية نحن هنا
عندما يستيقظ الضمير الذي تيتم وترى من القوم من يعلي الهمم ويرفع الصوت عاليا فوق القمم ,مناديا برحيل أصحاب العمم
آنذاك لا بد لهذه الجماهير أن تعرف طريق الحرية وتتخلص من شباك العبودية التي أسرت نفسها فيها طيلة عقود كاملة
إن ما يقع الآن في تونس الحبيبة تونس المجاهدة, ليفرح كل من قلبه ذرة إيمان ويبغض كل منافق جبان, فالأحداث التي رافقت خروج الناس من منازلهم وفرار الرئيس وعائلته من قصورهم أوضحت لنا كثيرا من الأمور ألخصها في سبع
1 ) أن الأمة العربية والإسلامية لم تمت ولم تسلم دينها وعروبتها لعدوها بل هي تنام بين الفينة والأخرى, وأن تلك الشعوب قادرة على التغير في أي لحظة, لكنها تحتاج فقط إلى وقود صغير يشعل حماسها ويوقظها من سباتها الذي طال
2 ) أن الطاغية مهما تجبر ومهما علا واستكبر فإن إمبراطوريته التي بناها لعقود ستكون فارغة من الداخل, فارغة من المحتوى ولن تكون إلا شكليات هشة وبروتوكولات من الخشب
3 ) أن الظلم ولو طال والاستبداد ولو جال والدم ولو سال فلابد لذلك من زوال, لأن فرعون كان أطغى وأمكر منهم إلا أن نهايته كانت مذلة بإتقان فلم ينفعه لا وزير ماله قارون ولا وزير حربه هامان
4) أن الجيوش العربية كارهة لحكامها وقادتها فهي لم تحرك ساكنا في ثورة تونس ووقفت متفرجة على المشهد كاملا إلى نهايته وذاك أفرحنا بشدة لأننا كنا نعتقد أنه لا يمكن التعويل عليها بل وبعضنا كان يضعها ضمن حلف اليهود والأمريكيين
5 ) أن التغيير بأيدينا لا بأيدي أعدائنا ,وأن الذين جاؤوا على ظهر الدبابات الأمريكية في العراق محملين بوعود التغيير إنما جاؤوا وهم محملين بالدمار والدماء,وأن الشعوب قادرة لوحدها على كسر القيود دون حاجتها إلى من يساعدها على إشعال الوقود
6 ) أن الغرب لا يعترف مطلقا برد الجميل فرغم كل الامتيازات التي قدمها بن علي إلى فرنسا والأموال الضخمة المودعة في أبناك باريس إلا أنها رفضت حتى استقباله في المطار الدولي وكانت تلك فضيحة مدوية لأبناء فرنسا
7 ) أن التغيير في العالمين العربي والإسلامي قد بدأ ,وأن بوادره قد ظهرت ساطعة لا تقبل الانتظار أو التأجيل وأن الشعوب الإسلامية ملت من الذل والهوان وأن السنوات القادمة ستشهد تحولات جذرية في الكثير من أنظمة الحكم في البلاد العربية والإسلامية
وإن كان قد أسعدني التحول الذي حدث في تونس الحبيبة فإن أمرا جللا قد فاجئني وهو أن الرئيس الفار لم يجد مكانا للاختباء فيه سوى أشرف بقعة مطهرة ,ورغم كل التبريرات التي قدمتها الحكومة السعودية إلا أنها ليست كافية ولن تكون كافية أبدا
وما أثار امتعاضي أكثر وأكثر هو السكوت المخجل والمخزي لعلماء المملكة الذين لم يحركوا ساكنا اتجاه القضية رغم كل ما نعلمه وما لا نعلمه على محاربة بن علي للدين وشريعة الإسلام وإنقاصه لفريضة من الفرائض التي تحظى بإجماع علماء الأمة ,وسكوتهم هذا قد أكد وبالملموس أن الاعتماد على فتاوى علماء السلطان هو أشبه بالاعتماد على نصائح الأمريكان
رحل بن علي بعد حكمه لتونس لأزيد من عقدين من الزمان, عقدين شهدا كل أنواع الاستبداد والظلم والقهر والفساد السياسي والأخلاقي الذي عم تونس ورحيله هذا ترك 3 رسائل للحكام العرب أقولها بالنيابة عنه
1 ) أن الكرسي الذي تجلسون عليه قد يتحول إلى نقمة في أي لحظة من حياتكم بعدما كان نعمة وقد تتحولون إلى مسخرة أمام شعوبكم بعدما كنتم مفخرة فلا تغتروا بالجاه والجند والماس فلن ينفعكم إلا الإحسان للناس
2 ) أن خدمة الغرب لا تجلب إلا المصائب وأن دخولكم الحرب على الإسلام نيابة عنهم لن يزيد إلى الحقد والكره عليكم ,وأن الحرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وتنظيم القاعدة لا دخل لنا بها ,ولكم في قصة بن علي وفرنسا حكاية يا أولي الألباب.!!!!
3 ) إذا ما حدث الشيء مرة نستطيع إعادته ألف مرة وإذا ما نجحت الثورة في تونس فإنها ستنجح مرة جديدة في منطقة جديدة فاستعدوا جيدا فتونس الأقل مساحة والأقل تعدادا والأفضل اقتصادا ومع ذاك كان ما كان فما بالكم بالمناطق الأكثر تعدادا والأسوأ اقتصادا
يا أهل تونس الأحرار لقد أنهيتم أصعب مرحلة من الثورة وهي إسقاط الطاغية ولم يبقى إلا إسقاط باقي بطانيته الفاسدة وما أكثرها, ولن يتم ذلك إلا بالنزول إلى الشارع مرة جديدة
وهنا لا يسعني إلا أن أذكركم بالآية الكريمة التي تقول بعد بسم الله الرحمان الرحيم
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المصير
لم يكن فتح تونس بالأمر الهين فقد خاض المسلمون ثلاث فتوحات كبرى خسروا فيها الكثير من العتاد والرجال الأشداء وأخرجوا تونس من عصر الظلمات التي كانت تعيشها إبان الحكم البيزنطي إلى عصر الفكر والتطور في شتى المجالات
وكان الفتح الأكبر عام السبعين من القرن السادس للهجرة بقيادة القائد البطل الشهيد عقبة بن نافع الذي أسس مدينة القيروان
هاهي تونس تفتح مرة جديدة بعدما كانت قد سقطت في أيدي البيزنطيين والروم لعقود طويلة
وفي الختام أقول إني والله أحبكم يا أهل القيروان برشا برشا برشا…