كتب : عدنان وادي
إن الألم يجري في عروقنا والحزن يهمش في أجسادنا والكآبة تقطع وجوهنا
الذابلة والجراح والدماء لا تكاد تنطفئ في مكان ما من عالمنا الإسلامي
حتى تشتعل في مكان آخر.
في بحر الأسبوع الماضي رأينا كارثة حقيقة أيقضت من جديد مسألة قديمة
حاولنا نسيانها أو بالأحرى تناسيها لأننا إعتقدنا أننا حاليا في خضم
مشاكل أكبر وأكثر خطورة منها .
فجر الإثنين الماضي إقتحمت السلطات المغربية مخيما أنشئ على بعد
كيلومترات قليلة من مدينة العيون وبغض النظر عن كيفية إنشائه وإتهام طرف
دون آخر وبغض النظر أيضا على الأحداث التي رافقت هذا الإقتحام فإني
سأحاول قدر الإمكان في هذا المقال أن أعيد المسألة من جذورها فكما يقال
إذا عرف السبب بطل العجب
في بادئ الأمر علينا أن نعترف أن مسألة الصحراء المتنازع عليها بين
المغرب والبوليزاريو ليست سهلة كما يعتقد البعض وأيضا حلها ليس مستحيلا
كما يحاول بعض الشرذمة من الناس أن ينشروه بين فئات المسلمين
حين كانت الخلافة العثمانية في آخر أيامها بسبب الخيانات المتتالية
والثورات المتواصلة من عرقيات فضلت الأصل على الوحدة والكرسي على الأمة
والدونية على القمة فأخد كل يجر بدلوه بعيدا عن الآخر حتى وصل حالنا إلى
ما هو عليه الآن وكل منا فرح بما يملك من فتات قليل وعيش ذليل
في خضم كل تلك الأحداث من إنقسام غير مسبوق للمسلمين كان الغرب يجتمع في
مؤتمر عالمي سنة 1884م ببرلين الألمانية حول تقسيم قارة إفريقيا كاملة
كالكعكة فيما بين ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال.
وسنبتعد قليلا عن مؤتمر برلين لنلقي نظرة فاحصة على الأوظاع في شمال
إفريقيا ومنطقة الصحراء على وجه التحديد.
ففي هذا الوقت كانت دولتين مسلمتين قد سقطتنا بيد دولة فرنسا وهما
الجزائر وتونس سنة 1830م و 1881م على التوالي
أما المغرب فكان مملكة ممتدة من البحر الأبيض شمالا إلى السنغال جنوبا
على مساحة هائلة تضم كلا من المغرب والصحراء وموريتانيا وبعض المدن
الجزائرية التي أخدت فيما بعد من السيادة المغربية كتندوف مثلا
وقد تمخض من مؤتمر برلين في هاته الفترة بند يعطي الحق لإسبانية بحمل
بواخرها والتوجه إلى الصحراء, إنه فعلا وعد بلفور جديد بقاعدته الذهبية
التي تقول ” أعطى من لا يملك لمن لا يستحق ”
وفي حقيقة الأمر أن الذي سهل سرعة إحتلال الصحراء أن الأخيرة رغم أنها
كانت متواجدة داخل حدود المملكة المغربية إلا أنها كانت ما تزال تعيش تحت
نظام القبلية على نظام المدنية وذلك بسبب الأرضية التي تتواجد بها فهي
إما جبلية وعرة أو صحراوية قاحلة
و كان هنالك سبب آخر وهو أن السلطان الحسن الأول بن محمد الدي كان يحكم
المغرب أنذاك كان بالكاد يوفر المؤونة والحماية للمملكة المغربية ناهيك
عن الصحراء وموريتانيا وذاك بسبب الضعف الهائل الذي كان عليه وفي حقيقة
الأمر كان ذاك الضعف سائدا على عموم أوطان المسلمين, بسبب زيادة نفوذ
القوى الإستعمارية وسيطرتها على التجارة الدولية والقرصنة البحرية
وهذا ما ساعد المحتلين الجدد للصحراء على تزوير الحقائق والكذب على
التاريخ بأن قالوا أن الصحراء لم تكن لأحد وأنهم قد إكتشفوها حديثا كما
إكتشفوا العالم الجديد أمريكا وبالطبع هذه كذبة مردودة لا يصدقها حتى
جاهل بأبسط قواعد التاريخ .
وإحتلال الصحراء أمرا ليس هينا فإسبانية بذلك قد فصلت المملكة المغربية
إلى نصفين غير متلاحمين وقد بقي هذا الإحتلال للصحراء تسعة عقود كاملة
شهدت خلالها الصحراء جرائم بشعة سجلها التاريخ على أيدي المحتلين الإسبان
ضد السكان الأصليين .
في خضم هاته الأحدات كاملة كانت هنالك مقاومة تنبت شيئا فشيئا لكسر ذراع
المحتلين وقد إنفجرت هاته المقاومة وبدأت بعملياتها النوعية رغم قلة
المؤونة وجبروت المستعمر
وهنا طالب المجاهدون السلطان المغربي بإمدادهم بالسلاح والعتاد ورغم أنه
قدم بعض المساعدات إلى المجاهدين في بادئ الأمر إلا أنه تراجع بعد ذلك
لقلة المؤونة أولا وللإحتفاظ بها للمواجهة القادمة والأخيرة التي بدأت
تسطع في الأفق بين المملكة المغربية وفرنسا , وفي الحقيقة أن هذا القرار
كان خاطئا من بدايته فكان من الواجب على السلطان أن يعلن الجهاد العام
على المحتل الإسباني ولو بالحجر والبقر وأن يخرج الصغير بغير إذن أبيه
والزوجة من غير إذن زوجها وهذا ما يخيف الغربيين أكتر مما تخيفهم أسلحة
الدمار الشامل, أما الجلوس لإنتظار العدو القادم الدي يزداد قوة يوما بعد
يوم ونزداد أمامه ضعفا وذلا ومهانة أثبتت وبالملموس أنها خطة الجبناء
الذين لا قرار لهم, والقرار الوحيد الذي أمام الجبان ولو كان يملك 1000
فرصة للحل هو الفرار.
وكان هذا هو الخطأ والمصيبة الأولى التي تمت .
نترك المواجهات الهائلة التي تحدث بين القوات الإسبانية من جهة
والمجاهدين من جهة ثانية وننتقل إلى منطقة أخرى تحت السيادة المغربية وهي
موريتانيا التي كانت تتسقبل بحقد شديد وافدا جديدا حط على رمالها وأرعب
سكانها وأجهش على صبيانها وهذا المحتل هو فرنسا وكان ذاك عام 1902م وقد
إحتلت موريتانيا بأكملها في زمن قياسي
ومع الإحتلال الإسباني للصحراء والفرنسي لموريتانيا تقزمت المملكة
المغربية بشكل خطير مما زاد من ضعفها وهوان حالها.
فأصبح الجهاد في الصحراء وموريتانيا يواجه عدوين مشتركين يملكان من
الترسانة العسكرية ما لا يتصور في ذاك الزمان, فضعف الجهاد ونقص بشكل
ملحوض مما أدى بالقيادة العليا للمجاهدين التي كانت تتكون من مجلس يتزعمه
المجاهد ماء العينين بطلب المساعدة مرة أخرى من السلطان المغربي عبد
العزيز بين الحسن الأول الدي قام بنفس ما قام به والده وهو إرسال عتاد
قليل هزيل لم يكفي لتغطية الجهاد وللأسف يا ليت السلطان عبد العزيز وقف
وقفة كأبيه بل زاد الطين بلة حين أوقف الدعم بسبب رسالة تحذيرية من قصر
الإليزيه بباريس إن هو إستمر في دعم المجاهدين ويا ليته وقف عند هذا
الحد أيضا بل إنه وافق على الدخول في مجلس غريب ومقزز في نفس الوقت
لإدارة مدينة طنجة الواقعة شمال المملكة المغربية وكان المجلس مكونا من
26 فردا يوجد فيه 3 مسلمين فقط وواحد يعينه الحاخام اليهودي و 22
المتبقية تعينهم كل من فرنسا وإسبانية وكان ذاك العمل هزيمة نفسية مهدت
الطريق للهزيمة العسكرية
وكان هذا هو الخطأ الثاتي في إدارة الصراع فالعمالة للأجنبي والسماع
لرأيه تورث ذلا ما بعده ذل .
في خظم هاته الأحدات لم يجد أحفاد طارق بن زياد ويوسف بن تاشفين بدا وحلا
إلا الثورة على السلطان عبد العزيز الدي سلم للأعداء كل شيء.وبالفعل تمت
الثورة وكما كان متوقعا هرب السلطان عبد العزيز إلى مدينة طنجة التي كانت
منطقة دولية وجاء أخوه عبد الحفيض الدي كان مصيره نفس مصير السلطان عبد
العزيز وهرب هو الاخر إلى مدينة طنجة
في هذه الإثناء حملت فرنسا جيوشها متجهة إلى المملكة المغربية معلنة بدْأ
الحماية على السلاطين المغاربة الدين بدؤوا يتساقطون واحدا تلو الأخر
بسبب الثورات التي قادها الشعب المغربي.
ولم تمضي إلا سنوات قليلة حتى سقطت المملكة المغربية في أيدي المحتلين الفرنسيين,
ولكن الجهاد الدي فرض على المسلمين لا يمكن أن ينطفئ لوهلة فقد ألهم الله
لهذه الأمة في كل زمان ومكان قيادات جهادية تسعى لتحرير الأرض والعرض من
أيدي الطواغيت والجبارين فقد بدأت الحركة الجهادية في كافة المملكة
المغربية من الشمال إلى الصحراء وصولا إلى الجنوب في موريتانيا.
فإضطرت إسبانية أولا للخروج من شمال المملكة لتعلن إستقلالها وتبعتها
موريتانيا بعدها بسنة واحدة فإستقلت هي الأخرى من فرنسا وفي الحقيقة
إستقلت أيضا في نفس الوقت من المملكة المغربية .
وهنا حدث شرخ هائل ما زالت المملكة المغربية تدفع ثمنه لحد الساعة.
والغريب أن إسبانية بقيت متمسكة بالصحراء غير عابئة للمقاومة الشرسة
التي أبان عنها مجاهدون مخلصون وزادت إسبانية من طغيانها فأعلنت أن
الصحراء هي محافظة إسبانية خالصة.
وفي منطلق هذه الأحدات نشأت جبهة شيوعية تحت مسمى البوليزاريو لمقاومة
المحتل الإسباني سنة 1973م وبسبب توجهها الإديولوجي تلقت الدعم من ليبيا
والجزائر صاحبتا التوجه الشيوعي أنذاك.
وفي الحقيقة أن خداعا كبيرا قد وقع في هاته اللحظة فالمجاهدون كانوا
يعتقدون أنهم يجاهدون من أجل إعلاء كلمة الحق في حين أنهم كانوا يستعملون
من أجل نشر الشيوعية والماركسية التي إجتاحات العالم الإسلامي أنذاك بسبب
التوسع السوفياتي .
وكان هذا خطأ اخر فالجهل بالشيء وغموض الهدف قد ينتج جيلا لا يعرف لمن
ينتمي وإلى أي جهة يقاتل وفي سبيل من يرفع السلاح.
لم تستطع إسبانية مقاومة المجاهدين فأعلنت خروجها من الصحراء ولكي لا
تخرج منهزمة كليا كان عليها أن تترك مسمار جحا في قضية الصحراء وهذا
المسمار ما زال ينخر في جسم المملكة المغربية لحد الساعة.
فقد عقدت مدريد مؤتمرا ضم كلا من المغرب وموريتانيا من أجل سايس بيكو
جديد لتقسيم الصحراء بين المغرب وموريتانيا اللتان كانتا تطالبان به .
وكان هذا خطأ رابعا وذلك لجلوس المغرب وموريتانيا جنبا إلى جنب وكان هذا
إعترافا ظمنيا بإستقلال موريتانيا عن المملكة المغربية وكان على المملكة
أن ترفض المؤتمر برمته وتطالب بعودة جميع أراضيها إلى سيادتها.
جاء التقسيم على التقسيم وقسمت الصحراء إلى ثلاتة أجزاء .ثلثين للمغرب
وثلت اخر لموريتانيا .
وهنا أسرعت البوليزاريو لإعلان دولتها في الصحراء وكان ذلك في تندوف
المدينة التي كانت أصلا تحت السيادة المغربية وقد تلقت البوليزاريو دعما
هائلا من الدول الشيوعية التي كانت تنتشر أنذاك إنتشار النار في الهشيم.
فزادت الاوظاع تأزما حين حمل البوليزاريو السلاح على إخوانهم المغاربة
والموريتانيين وهذا ما كان متوقعا من جبهة لا تحكمها عقيدة التوحيد إنما
تحكمها عقيدة الشيوعية والماركسية.
وسرعان ما تراجعت موريتانيا عن الثلت الدي أخدته من الصحراء وأسرع
المغرب لضمه إلى ترابه وكان هدا فعلا محمودا ومنطقيا فالشيء يجب أن يعاد
إلى صاحبه ولو بعد حين .
وهنا بدأت الحرب بين الجبهة والمغرب التي إمتدت طيلة 13 سنة خلفت قتلى من
المسلمين ودماءا طاهرة زكية كان المسلمون في غنى عنها .
وهنا أوقف الطرفان القتال وجلسا على طاولة المفاوضات تحت رعاية الأمم
المتحدة وكان هذا هو الخطأ الخامس فالغرب لا يمكن أن يعطي حلا في سبيل
الإنسانية دون أن يأخد شيئا وكان من الأجدر أن يجتمع الطرفان تحت سقف
واحد دون اللجوء إلى القوى الإستعمارية التي أصبحت بقدرة قادر تتكلم عن
الإنسانية وتقدم حلولا لمن كانت السبب في عذابهم قبل بضع سنين فقط .
فمرت العلاقة بين المملكة المغربية والبوليزاريو بمراحل نوجزها في التالي :
* سنة 1988م : قام الطرفان بإبرام إتفاق عرف بإسم المبادئ ويسعى لمعرفة
رأي مواطني الصحراء, ومني هدا الإتفاق بالخسارة لعدة أسباب من بينها
إختلاف الطرفين في تحديد نوعية السكان الأصليين للصحراء والمشرفين على
هذا الإستفتاء
* سنة 1999م : الإعلان رسميا وكما كان متوقعا على فشل الإستفتاء
* سنة 2000 م : تقدمت كل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية بقرار
إلى مجلس الأمن وطرحا قضية الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية.
* سنة 2010 : إصدار مرسوم من مجلس الأمم المتحدة يقضي بضرورة الإستفتاء
على تقرير المصير في الصحراء مما أرضى جبهة البوليزاريو وأثار حفيضة
المملكة المغربية.
فأين الطريق وأين المسار إلى حل يرضي الجميع ويسعد الكل ولا نجد ذرة حقد
واحدة في نفوس القوم إذا ما وجد.
إني أكتب راجيا من الله حلا سريعا في 5 نقاط تكون على ما أعتقد حلا لقضية الصحراء :
1 ) على الجميع أن يعلم أن طلب العون من الغرب أو الشرق إنما هو مضيعة
للوقت فلا أمريكا نفعتنا ولا روسيا ساعدتنا بل إن الجميع يجري خلف مصالحه
غير عابئ لا بالأرض ولا بالشعب , وإنما علينا التوجه إلى العقيدة
الصافية عقيدة أهل التوحيد والإذعان التام لما يفرضه علينا دين العزة
والكرامة الذي عشنا إبان حكمه في عز لم نعشه من قبل .
2 ) على الطرفين أن يتأكدا أن مجلس الأمم المتحدة إنما هو مجلس
المستعمرين والمنافقين الذين لا هم لهم سوى تقسيم الأمة الإسلامية وخلق
المشاكل بينها وقد جربناه مرات ومرات وتأكد بالملموس أنه مجلس الأمم
المتحدة على المسلمين فمتى نستفيق ومتى نتأكد على أن الحل بأيدينا لا
بأيدي أعدائنا وأن صلاح الدين حين دخل فاتحا مصر إستنجد كل من شاور
ودرغام بالأعداء لحمايتهم فهل يذكرهم التاريخ أم يذكر صلاح الدين الأيوبي
,لا فالتاريخ لا يذكر إلا الرجال أما الذين يبيعون دينهم وكرامتهم
للأعداء فإنهم يتلقون اللعنات منذ وفاتهم إلى يوم الدين من قبل الجماهير
المسلمة
وبالتالي فعلى الجميع أن يجلس تحت طاولة واحدة وسقف واحد.
3 ) على البوليزاريو أن تتوقف على ذكر مصطلحات كالإستفتاء أوالحكم الذاتي
فأرض الصحراء هي مغربية بالأساس والتاريخ والعرف يشهدان على ذلك وعليهم
أن يتوقفوا على قول أنهم من حرروا الأرض فالأيام دول فقوي اليوم ضعيف
الغد وضعيف اليوم قوي الغد فلا يمكن لمن حرر جزئا من أرض أن يطالب
بإستقلالها بل إن أرض المسلمين واحدة .
4 ) على المغرب أن يعترف بإرتكابه أخطاءا وأن يبدأ في إصلاح الأوضاع
بالصحراء المغربية وذلك بتوزيع عادل للثروات الموجودة في المنطقة من
فوسفاط وحديد وأن يبدأ بتعبيد الطرقات وإنشاء مدن كاملة وجعل الصحراء
قطبا صناعيا جديدا يوازي قوة قطب الدار البيضاء الكبرى .
5) على العلماء أن يأخدوا دور الساسة والعسكر في كل من الصحراء المغربية
والمملكة المغربية والجزائر لتشجيع المسلمين على الوحدة وتحريم الفرقة
ومن يدعون إليها فقد تأكد جليا أن الساسة والعسكر قد يبيعون الأرض من أجل
كيس من الذهب وأن بعضهم لا علاقة له أصلا بالدين .
فأين علماء المسلمين من هذا الأمر الخطير الدي أدى إلى سفك دماء عزيزة
طاهرة وأين هم من الوحدة أم أنهم أيضا يؤمنون بحدود سايس بيكو !!!!
وفي الأخير أقول أن أحداث العيون هي ضلم ما بعده ضلم وأن سفك دماء
المسلمين حرام وعليه يجب معاقبة الفاعلين وإعطاء الحقوق الكاملة
للمتضررين
والسلام على من إتبع الهدى