قدمت السينما المصرية منذ بدايتها على مدار أكثر من نصف قرن صورة مشوهة للمعلم فهو من وجهة نظر الكثير من المؤلفين و المخرجين شخص ساذج أو مختل عقليا مما يجعل أبطال الرواية يسخرون منه من خلال أحداث الفيلم فيصبح هو مادة الضحك و الفكاهة التي تجذب الجمهور إلى شباك التذاكر فعلى سبيل المثال لا الحصر قدمت السينما المصرية سنة 1949 الفيلم الشهير “غزل البنات” للمخرج و الممثل أنور وجدي و قام فيه الممثل الراحل نجيب الريحاني بدور مدرس اللغة العربية الأستاذ حمام صاحب الثياب البالية و المنديل القديم الممزق الذي يسخر منه طلابه مما يدفع ناظر المدرسة إلى توبيخه أمام التلاميذ- بصورة لا تحدث أبدا في الواقع- فيضطر حمام إلى العمل في قصر الباشا كمدرس خصوصي لابنته التي تستنكر هذا الأمر قائلة: ” بقه أنت إلي هتعلم بنت الباشا؟” ثم تتركه و تضحك بشكل هستيري قائلة: ” جابوا الأقرع عشان يعلم بنت السلطان” و بعد لحظات تعود مرّة أخرى لتتهمه بسرقتها و عندما تكتشف الحقيقة و تدرك أنها ظلمته تطلب من أبيها الموافقة على بقاء حمام في القصر و ذلك من باب الشفقة فقط ثم تحاول أن تستغل ساذجته و تلعب بعواطفه فيقوم حمام بمشاركتها الغناء في الدويتو أبجد هوز حين يقول: ” أه لو أبوكي حضر ويانا و شاف و سمع الغنا ده معانا أنا إلي هصبح في خبر كان و بدل الماهية راح أخد صرم” و في نهاية الفيلم تقع بنت الباشا في غرام الطيار الوسيم الأنيق ذو المركز الاجتماعي المرموق على عكس المدرس المطحون الغلبان الساذج كما صورته أحداث الفيلم.
و في بداية الستينات قدم المخرج طلبة رضوان فيلم أخر بعنوان” السفيرة عزيزة” حيث قدم الممثل الكوميدي الراحل عبد المنعم إبراهيم دور مدرس اللغة العربية الأستاذ حكم الذي يتحدث بالفصحى بمناسبة و غير مناسبة و هذا هو موقف الشاشة الفضية الساخر من مدرسي اللغة العربية الفصحى بالرغم من كونها لغة القرآن و لغة التراث الثقافي العظيم و لم يسلم مدرسي اللغة الإنجليزية أيضا من خيال بعض صنّاع السينما المريض حيث قدم المخرج حسن الأمام فيلمه المعروف” زقاق المدق” و قام الفنان الكبير حسين رياض بدور معلم اللغة الإنجليزية المختل عقليا الذي يردد عبارة ” أنا قلت لمعالي الوزير أني رسول الله……..” مما يجعل أهل الزقاق –بما فيهم حميدة بطلة الفيلم- يسخرون منه و في هذه الفترة قدم نفس المخرج فيلم أخر مأخوذ عن رواية نجيب محفوظ “قصر الشوق” حيث لعب الممثل نور الشريف شخصية كمال الذي يطلب من أبيه بعد حصوله على البكالوريا الموافقة على الالتحاق بكلية المعلمين مما يستفز الأب الذي يلوم ابنه و يوبخه على هذا الاختيار فهو لا يريد أن يصبح ابنه مجرد خوجة في مدرسة أمّا في فترة السبعينات قام المخرج سعيد مرزوق من خلال أحداث فيلمه الشهير ” المذنبون” بتقديم شخصية ناظر المدرسة و لكن من زواية أخرى حيث يضطر الناظر بسبب الفقر و الحاجة إلى بيع أسئلة امتحانات نهاية العام في مقابل حفنة من الجنيهات إلى أحد المدعوين في حفلة حمراء قضاها الناظر في منزل نجمة السينما سناء كامل ثم ينتهي به الحال إلى العقوبة و السجن مع باقي المذنبين.
كما لعب المسرح أيضا دوره في نشويه صورة المعلم من خلال الأعمال المسرحية المشهورة مثل مسرحية ” السكرتير الفني” لفؤاد المهندس الذي لعب شخصية الأستاذ أيوب المدرس صاحب البنطلون القصير المضحك و مسرحية” مدرسة المشاغبين” التي قدمتها فرقة الفنانين المتحدين في السبعينات فقام الطلاب بالغناء ضمن أحداث المسرحية لناظر المدرسة حسن مصطفى قائلين” يشيلوك في الضلمة فانوس و يلفوا بيك المدرسة” و لا أحد يعلم مالرسالة التي يريد كل من مؤلف و مخرج هذا العمل المسرحي الهابط توصيلها للجمهور؟
أرجو أن يدرك القائمون على الأعمال الدرامية التأثير القوي للإعلام على وجدان الجمهور سواء سلبا أو إيجابا و الفن النظيف هو الذي يرتقي بالذوق العام للمشاهد من خلال أعمال راقية الهدف منها الثقافة و التنوير و تبسيط المفاهيم الفلسفية العميقة و الأفكار الهادفة التي تساعد على تنمية و تطوير المجتمع و توصيلها للجمهور بطريقة جذابة مسلية دون الاعتماد على الأساليب الرخيصة المبتذلة كالاعتماد على الجنس و إثارة الغرائز مثلا أو محاولة إضحاك الجمهور من خلال حوار هابط يعتمد على التهكم و السخرية من الأخرين فمحاولة النيل من كرامة المعلم و هيبته جريمة في حق المجتمع كله و ليس المعلم فحسب فالمعلم هو رمز العلم و الحضارة و احترامه واجب على الجميع كما يجب أن يصاحب تقديم النماذج السلبية للمعلمين تقديم نماذج إيجابية أيضا حتى يظل المعلم صاحب القدوة الحسنة في نفوس طلابه كما يجب علينا أيضا العودة إلى تراثنا الثقافي العظيم حتى ندرك أهمية العلم و العلماء في حياة الأمم و الشعوب.