كتبت : روابي البناي
مساء الخير للي قاعد يقرأ الجريدة بالليل، وصباح الورد للي قاعد يقرأها الصبح، أتمنى أن تكونوا بألف خير وصحة وعافية، وأن تكونوا بأحسن حال. الليلة ليلة العشرون من هذا الشهر الفضيل.. شهر الخير.. وأي خير؟ شهر الازدحام المروري والمجاملات الاجتماعية والشخصيات المزدوجة والجدول التائه.. فصباحا تشم رائحة الأفواه الكريهة، وظهرا ترى الكل نائما على مكتبه، وعصرا ترى السباق المحموم بين محلات الكنافة والقطايف، وليلا ترى الازدحام غير المبرر، وتكثر الحوادث وتزداد الهوشات ويركب قائد السيارة في هذا الشهر ألف جني (مع إنهم مربطين)!
في هذا الشهر ترى العجب العجاب من المفارقات، فترى الذي تدين فجأة وأطلق لحيته، وقرر وصديقته ألا يحادثان بعضهما البعض إلا بعد الفطور. أما من ينصحك بمتابعة برنامج عمرو خالد عصرا، فهو نفسه من يناقشك بدقة عن مظهر ولبس بل تسريحة حليمة بولند في برنامجها ليلا. كل هذا التناقض لا يمكن أن تراه في مجتمع متعلم إلا في دولة الكويت، وفي رمضان بالذات. فنحن شعب يعشق المظاهر، حتى أصبح التدين في رمضان سمة ليقال عنك «والنعم»، فالكل يريد التأييد الاجتماعي في هذا البلد.
كما قلت الليلة ليلة العشرون من أيام هذا الشهر الفضيل، يعني ما بقى شيء و«يقفظ إقراضه» ويروح، ولا أدري ان كنت سأجتمع فيه واياكم السنة القادمة ولا لأ؟ أنا لا اقول غير عسى ربي يعيده عليكم أنتم وأحبابكم وكل من يعز عليكم بالخير والصحة والعافية، لا فاقدين ولا مفقودين يارب.
اليوم سأتكلم عن «التناحة» في هذا الشهر الفضيل، والتناحة لمن لا يعرف معناها هي خروج العقل والمخ عن نطاق الخدمة، يعني على قولة اخوانّا المصريين «مكبر الجمجمة» ويا كثر اللي مكبرين الجمجمة بشهر رمضان.
الكثير منكم شاهد مسرحية «المتزوجون» للمبدع الفكاهي سمير غانم الذي أثبت حقيقة علمية من وجهة نظره، أن من يأكل الفول المدمس مع التغميسة من الصبح سيكون «متنحا» طوال اليوم أي سيكون خارج نطاق التغطية ولن يفهم ولن يستوعب. لكن بعد رصدي لبعض المشاهد التي حدثت على الساحة الكويتية في هذا الشهر الفضيل ثبت لي عكس ذلك، فقد استنتجت أن التناحة الكويتية «غير» ولها أوقات خاصة وطقوس وتصريحات، لذلك اسمح لي عزيزي القارئ أن آخذك معي عبر الأسطر القادمة لكي نتعرف على التناحة الكويتية وتأثيرها في المجتمع.
أولا: تناحة السلطة التشريعية
لا يختلف اثنان على أن استهلاك حبوب «البندول» خفّ، وأن معدل ارتفاع الضغط في انخفاض تدريجي، والأمور بدأت ترجع الى مجراها الطبيعي في الحياة الاجتماعية والأسرية، والسبب في ذلك إجازة مجلس الأمة التي أدعو الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر الكريم أن تطول الى أبد الآبدين حتى نفتك من اللغوة والصيحة والدندرة. لكن الأمر لا يخلو من وجود بعض الأصوات التي تخاف انها اذا صمتت ولم تخرج عن المألوف سيقل وجودها الجماهيري وتقل شعبيتها، هذا إذا كان لها شعبية أصلا.
قبل كم يوم خرج لنا أحد النواب الأفاضل بتصريح جهنمي نووي خطير يضاهي في خطورته المفاعل النووي في بو شهر، فهذا النائب الفلتة، الذي أنا على يقين ومتأكدة ألف في المائة أن الصيام عامل عمايله معاه، يطالب بزيادة قرض الزواج إلى ثمانية آلاف دينار، ومنح الكويتي قرض زواج عندما يتزوج الزوجة الثانية.. وطبعا هذا النائب «المتنح» يبرر طلبه بأن هذا سوف يساعد على خفض مؤشر العنوسة الكويتي الذي بدأ احمراره يفوق احمرار البورصة الكويتية.
طبعا بعد خروج هذا النائب الفلتة «المتنح» علينا بتصريحه العجيب، الذي يقول فيه سأتبنى مقترح إعطاء الكويتي منحة زوجية لمن يرغب في الزواج بزوجة ثانية بشرط أن تكون الزوجة الثانية كويتية، للمساهمة في القضاء على مشكلة العنوسة بين الكويتيات، مؤكدا أن الفكر التغريبي يحاول أن يظهر مساوئ تعدد الزوجات، وهذا غير صحيح، لافتا إلى أن هذا المقترح يعود بنا إلى أصالتنا، فكل آبائنا وأجدادنا كان لديهم تعدد زوجات.. بدأت حركة السير المرورية بالارتباك، وانشغلت الشبكات التلفونية، وامتلأت المدونات الإلكترونية، وتشخبطت الصفحات الفيس بوكية عن بكرة أبيها بكلمات الشجب والاستنكار والغضب النسائي الكويتي ضد هذا النائب وتصريحه غير المنطقي. فهو على قولة المثل «يبي يكحلها عماها»، فماذا يعني أنك تريد ان تحل مشكلة العنوسة بالزواج الثاني؟ فهل هذا منطق بالله عليك؟ وهل ستطبقه أنت لكي تكون مثلا أعلى يحتذي به رجال الكويت؟؟ هل ستكون أول المتزوجين على زوجتك وتتمتع بالمنحة الزوجية وتساهم بحل مشكلة العنوسة؟؟
أنا على يقين أن نائبنا الفاضل كان أكثر من الأكل ذاك اليوم، أو أنه كان سهرانا ومونايم، أو انه وصل إليه خبر أن شعبيته خفت ولازم يطلعله بطلعة سوبرمانية يلفت بها الأنظار نحوه حتى يضمن الأصوات في الانتخابات.
فنصيحة أخوية أيها النائب حط بالك من غضب الحريم، خاصة حريم الكويت، تراهم ما يغشمرون خاصة بمسألة الرياييل، يعني لا تدوس لهم على طرف. أما بالنسبة لمسألة سعيك المشكور للحد من مشكلة العنوسة، فجزاك الله ألف خير أنت وغيرك لكن لا أتوقع ان المنطق يقول انك تخفض معدل العنوسة وتزيد معدل الطلاق لأنه مو كل الحريم راح يرضون أن رياييلهم يتزوجون عليهم. فأنت اجتهد بدعائك هذه الأيام أن الله يزيد شعبيتك وينزل محبتك بقلوب ناخبيك ويزوج بنات الكويت أحسن لك من تصريحاتك المتنحة التي تزيد الطين بلّة.
ثانيا: تناحة السلطة التنفيذية
عاد الحكومة بالله من فضلك تناحتها غير على قولة بلبل الخليج «أنت ياحبيبي غير»، تناحة من نوع ثان على مستوى يليق بها، يعني عادي يطلع الوزير ليصرح في الجرائد أن رواتب الموظفين ستكون في جيوبهم في تاريخ معين، ويخلي الناس تشتط وتدعي له بالخير وتقول «ما قصر ولد الشمالي عساه عالقوة إن شاء الله»، وبعد كم يوم يطلع ويناقض نفسه ويقول: في أي بلد يتم صرف راتبين في الشهر نفسه؟
أنا معك قلبا وقالبا بأنه ليس من الحكمة ولا الحنكة أن يتم صرف راتبين بنفس الشهر لأنه في ناس راح «تتخسبق» حسبتهم وفي شركات راح تفلس من تحصيل أقساطها وفيه بنوك راح «تفج حلوجها» لأن الكويتيين كما تعرف من «حرك بلش»، خاصة انك ضربتهم على الوتر الحساس. فأنت يا معالي الوزير لا تدري أنك بتصريحك هذا حركت عجلة الاقتصاد بالبلد، يعني مكاتب السفريات انتعشت وردت الروح حق شركات الطيران بأن الشعب الكويتي راح «يهج بالعيد» والسبب «الهمجة} التي سيستلمونها بعد ما طلع مصطفى الشمالي وصرح تصريحه الناري.
فأنت يا معالي الوزير الله يهداك من قص عليك وقالك اطلع وتحرش بالكويتيين؟ ما تدري الناس ارمضان وبروحهم يتخانقون مع روحهم، ليش تفتح على نفسك باب مسكر؟ يعني هل معاليك كنت مكثرا من المهياوه ذاك اليوم ولا شنو المسألة بالضبط؟
ثالثا: تناحة الموظفين
عاد الموظفين بالله من فضلك حدث ولا حرج، فهم من غير صيام ما لهم خلق ويا ويله اللي الله غاضب عليه اللي يكلمهم قبل لا يشربون قهوة الصبح، فكيف تكون الحال هذه الأيام وماكو قهوة ولا شاي ولا صمون بطاط وفلافل وباذنجان من صباح الله خير؟
فمسلسل تناحة الموظفين يبدأ من لحظة نقطة انطلاق الصراع الأبدي عند النهوض من النوم، واللي تخلص بطارية المنبه من كثر ما ترن. وبعد جهد جهيد يقوم وما له خلق وهو مغمض يدش (عزكم الله) الحمام وهو حافي، وما يحس أنه حافي إلا لما يصقعه السيراميك البارد، فيطلع مرة ثانية ويلبس ويغسل وجهه اللي متفخ من الله بدون تدخل جراحي ولا إبر «بوتكس»، وطبعا العيون حمر كأنه من أحفاد دراكولا من قلة النوم. بس الله يعافي النظارات السود التي تغطي نصف الوجه بالنسبة للبنات والنظارات العاكسة اللي يشوف وما ينشاف بالنسبة للرياييل.
ولك أن تتخيل عزيزي القارئ مدى التناحة وتكبر الجمجمة اللي فيها هذا الموظف أو هذي الموظفة باقي اليوم.. يصل الدوام ما له خلق يسوي أي شيء، يدش المكتب أو البارتشين، يفتح الكمبيوتر يشوف الإيميلات، بعدين تبدأ رحلة متابعة المسلسلات التي طافتهم أمس.. ويا ويله يا سواد ليله الذي يفكر مجرد تفكير أن يسأل أو يطلب شغلا منهم. وفوق هذا كله تلقاهم يتذمرون من ساعات الدوام، وكله ما لهم خلق، وكله فيهم نوم.
فأنا ودي أعرف كل هذا بسبب شنو؟ هالتناحة والتسطل كل هذا بس علشان صاكين حلوجكم من الصبح ليمن المغرب؟