المسلسل الرمضاني “الحارة” دراما اجتماعية تتناول مشكلة الفقر في المجتمع المصري مما له من أثار سلبية مدمرة حيث يلجأ أبطال المسلسل إلى طرق متنوعة غير مشروعة للتغلب على أزمات لا حصر لها بسبب الفقر و الجوع و المرض فمنهم من يسرق أو يتاجر في المخدرات و منهم من توشك أن تبيع عرضها و شرفها من أجل حفنة من الجنيهات و الأخرى أرملة عجوز مسكينة لا حول لها و لا قوة هزمها الفقر و المرض فتلجأ إلى التسول و جمع القطن من الزبالة لتجهيز ابنتها اليتيمة والبعض الأخر يتاجر في السلع المدعمة كأنابيب البوتاجاز و بيعها في السوق السوداء و أخرون دفعهم اليأس و الإحباط إلى الهروب من الواقع المرير عن طريق تعاطي المخدرات أو الدردشة chat من خلال شبكة الانترنت و الرجل الذي يحاول ارتداء عباءة الدين بالرغم من ثقافته المحدودة يحاول دون جدوى التعايش مع هذا الواقع لكنه لم يوفق حتى في التفاهم و التواصل مع أبنائه فهم من جيل أخر له قيم و ثقافة جديدة و فكر مختلف تماما مما جعلهم كالغرباء في بيت واحد كما تناول المسلسل بشكل موجز أيضا مشكلة التفاوت الطبقي social discrimination عندما دفع الطبيب مبلغ 600 جنية مقابل وجبة واحدة في مطعم له و لزوجته فقط بينما يضطر غيره من أهل الحارة إلى مزاحمة الطيور في طعامهم ليسد جوعه و على الجانب الأخر رجل الشرطة الذي يخاف على أخته طالبة الجامعة و يشك في سلوكها أحيانا نتيجة لما يراه من فساد من خلال أدائه لواجبات عمله الذي يجعله يعيش في أزمات نفسية مستمرة و عذاب ضمير عندما يتضطر إلى القبض على بعض المتورطين في جريمة ما و تحرير محاضر ضدهم تؤدي إلى سجنهم فهو من داخله يلتمس العذر لبعض المذنبين الذين دفعتهم الظروف القاسية- كالفقر و الجهل و المرض – رغم أنفهم لعالم الجريمة فهم مجرد ضحايا تحملوا وحدهم مسئولية ما بدر منهم من جرائم و مخالفات و ربما يكون المسؤول الحقيقي الذي دفعهم إلى هذا المصير حر طليق. و كل هؤلاء يمثلون شريحة كبيرة من المجتمع موجودة بالفعل و أحداث المسلسل على درجة عالية من المصداقية و لا يوجد بها أي مبالغة فحكاية الذين قتلهم الفقر في الدويقة -و غيرها من العشوئيات- بسبب الانهيار الصخري الذي أتى على منازلهم و جعل منهم قتلى أو مشردين ليست ببعيدة في الوقت الذي ينعم فيه غيرهم بمليارت الدولارات الفائضة عن احتياجاتهم الأساسية مما يجعلنا نتأمل في مفهوم العدالة الاجتماعية و التكافل الاجتماعي من زكاة و صدقة و مشروعات الخير و البر و الإحسان التي تلقى اهتمام غير مسبوق في الغرب و يطلقون عليها charity و يجب علينا العودة إلى المنهج الرباني و تذكّر الأية الكريمة في كتاب الله ” و في أموالهم حق معلوم للسائل و المحروم” كما قال الله عز و جل في أية أخرى ” ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله و منكم من يبخل و من يبخل فإنما يبخل عن نفسه و الله الغني و أنتم الفقراء” كما يجب أيضا إعادة النظر في بعض القوانين الاقتصادية التي تخدم فئة بعينها من المجتمع على حساب فئات أخرى و هم الأغلبية مع الأسف و هذه القضية قنبلة موقوتة تهدد جميع أفراد المجتمع و تحتاج لاهتمام المسئولين و صانعي القرار.