روابي البناي
صبحكم الله بالخير أعزائي القراء، صبحك الله بالخير يا كويت، صبحكم الله بالخير إخواني وأخواتي الطلاب والطالبات، صبحكم الله بالخير يا موظفي الدولة الذين استيقظتم صباحا بكل نشاط وحيوية، ورايحين إلى دواماتكم والابتسامة تعلو محياكم الحلو، صبحكم الله بالخير يا وزراءنا الأفاضل الذين لن تمرروا معاملات غير قانونية ولن تستقبلوا أحدا جاءكم بواسطة، صبحكم الله بالخير يا نوابنا المحترمين الذين نزل عليكم سهم الله وقررتم أنكم ستنجزون شيئا مفيدا لنا وستفرحون الكويت وأهلها بدفع كفة التعاون بينكم وبين الحكومة.
اليوم، الله.. سآخذكم معي في رحلتي «اللي موصج» التي قمت بها يوم الاثنين الموافق 7 من الشهر الحالي إلى مبنى المجلس الطبي العام في منطقة الصباح الطبية، ورأيت فيها ما لم تره عيني طول عمري. فمنذ وطئت قدماي هذا المبنى، قررت بيني وبين نفسي أن أبحر بك عزيزي القارئ برحلتي ومعاناتي داخل اروقة هذا المبنى، فكن معي وأعطني من وقتك الثمين القليل، لكي أسرد لك ما حدث معي.
ذهبت إلى مبنى المجلس الطبي العام بناء على تحويل من دائرة التعويضات، وهي الدائرة المختصة بتمرير الاجازات والاستئذانات والاجازات المرضية للموظفين في مقر عملي، والموافقة عليها، وإذا تأخرت موافقتهم على اجازة أو أستئذان فلن أستلم «الهمجة» آخر الشهر.
ونظرا إلى أنني كنت في إجازة مرضية لمدة أسبوعين، حسب توصية الطبيب المعالج لحالتي التي تستلزم الراحة التامة، كان لا بد من تصديق المجلس الطبي العام على هذه الإجازة، كونها صادرة من مستشفى خاص، واعتمادها.
وفعلا خرجت من مقر عملي الساعة العاشرة والربع صباحا متوجهة وكلي أمل وتفاؤل والابتسامة مرتسمة على وجهي إلى مبنى المجلس الطبي العام في منطقة الصباح الطبية.
لكن، لا أخفي عليك سرا عزيزي القارئ أن هذه الابتسامة بدأت تختفي عن وجهي شيئا فشيئا بمجرد وصولي إلى مواقف هذا المبنى، وذلك بسبب الزحام الشديد والربكة المرورية التي تعتبر صفة ملاصقة لمواقف هذا المبنى، كون رواده يرفعون شعار «حارة كل من أيده ايلوه» يعني «أصفط وانزل، مالك شغل بغيرك».
وبعد جهد جهيد وتلاوة ما تيسر لي من آيات الذكر الحكيم، لكي يسهل علي المولى وأجد موقفا لسيارتي، وجدت الموقف الذي يبعد عن بوابة دخول المجلس مسافة ليست بالهينة، ولك أن تتخيل عزيزي القارئ حرارة الجو والعافور الذي كان يوم الاثنين.
دخلت مبنى المجلس الطبي العام، وكما يقولون «الكتاب يبين من عنوانه»، كان العنوان مؤلما جدا ومتعبا جدا، فالناس يمشون على بعض، ويعزك الله عزيزي القارئ، الرائحة الكريهة فايحة، والصراخ، والواقف يسولف مع رفيقه في منتصف الطريق ومسكر الممر، عادي، كأنه واقف في صالة بيتهم، يعني حالة لا يعلم بها إلا رب العالمين.
غرفة أربعة.. وما أدراك ما غرفة أربعة؟
أخذت أبحث أين أصدق الإجازة، وأدور من مكتب إلى الثاني، كأني واحدة من طرارات شهر رمضان، اللواتي بدأن يتوافدن علينا من الآن بكروت زيارة، حتى يتدربن على فنون الطرارة قبل الشهر الفضيل. ووجدت غرفة فيها هذه الواحدة «اللي مو طايقة تشفون نفسها»، وقلت لها: لوسمحت أبي أعتمد إجازتي المرضية. فأجابتني من دون لا تشوف رقعة وجهي: «روحي غرفة اربعة».
وطلعت بكرامتي قبل أن تهفني بأكبر ما عندها، لأن شكلها متخانقة من الصبح مع أبو العيال.
المهم سألت «وين غرفة أربعة؟». ودلوني.. أتعلمون ما هي غرفة اربعة؟
الله يسلمكم هي عبارة عن غرفة فيها موظفان يطلان من شباكين، والناس عليهما «ظبه» كأنهم نمل مكتوت عليهم خيشة سكر، وليس أي سكر، بل سكر التموين الذي لا ينفع.
أرقام لا تتحرك
تقدمت من الموظف الموجود خلف الشباك اليمين وقلت له: «لو سمحت أبي أعتمد طبيتي».
فقال: «خذي رقم وقعدي».
التفت ورائي ورأيت أمة لا إله إلا الله، قاعدة تنتظر. أخذت رقما وكان 497، وقعدت في الصالة التي تتوسط بقية الغرف، وكان هذا الكلام الساعة 11.10 صباحا. تخيل عزيزي القارئ ان الرقم الذي كان على اللوحة وهو 450 لم يتغير منذ الساعة 11.10 حتى الساعة 11.30. وعندما سألت إحدى الموظفات المتواجدات في غرفة 1 عن سبب عدم سير الحركة في هذه الغرفة، قالت لي: «اكيد مشغولين مو عاجبج روحي كلمي مسؤولهم».
وبعد التدقيق والتمحيص عرفت سبب عدم حركة مؤشر الأرقام، لأن هناك من يدخل الغرفة ويمرر معاملاته من دون رقم، يعني «خشمك اذنك».
غيرة من المحجبات والمنقبات
صراحة حسدت في تلك اللحظة كل المنقبات الموجودات اللاتي أخذن على عاتقهن مهمة تنظيف أرضيات المجلس الطبي العام بسبب طول العباية التي تزحف وراءهن بمترين وتلم بذيلها كل الجراثيم والأتربة الموجودة على الأرض.. الصراحة «ما قصرتم».
كما أن سهم الحسد والغيرة طال جميع المحجبات المنتميات لحجاب قوطي الروب والنيدو والحجاب الوارم، كون أن هذه الفئة هي «اللي قايم سوقها» في المجلس الطبي العام وهي الفئة التي «تدرعم على طول بدون لا سداد ولا رداد» وهي الفئة التي لا تنتظر دورا.
«عمك أصمخ»
تدري عزيزي القارئ «شيء يحر» ولا أستطيع أن أفعل شيئا، لأني أريد أن أخلص معاملتي وبالقانون. فاتصلت بمكتب وكيل وزارة الصحة الدكتور إبراهيم العبدالهادي بصفتي مواطنة أحب أن أبلغ عن خلل في أحد أروقة وزارته وفق تصريحاته بالصحف بأنه يستقبل كل الملاحظات ولا يقبل بالواسطات، وفعلا أجابتني سكرتيرته أمل. شرحت لها الحالة وأخذت رقم هاتفي، لكن «عمك أصمخ»، إذا طوفة غرفة 4 فعلت شيئا.. الوكيل أو سكرتيرته فعلا شيئا.
وحتى لا أنسى، رأيت أثناء جلوسي على كرسي الانتظار ثلاثة أرباع أعضاء مجلس الأمه والبلدي، يتقدمون كجيش عرمرم ممن يتلهفون لاعتماد طبياتهم التي أخذوها سواء بـ «العيارة والجمبزة» أو بفعل عارض صحي، علاوة على تدخل هذا العضو بعمل اللجان الطبية لكي يتم رفع نسبة العجز ويظفر هذا المواطن بالتقاعد الطبي المبكر براتب كامل.
الصراحة كفو عليكم يا أعضاء الذين وضعتم ايدكم على المصحف وأقسمتم بأنكم ستحافظون على البلد وعلى مدخراته وماله.. عيني عليكم باردة خوش محافظة.
رحلة شاقة
وفي خضم هذه المعمعة وصل دوري، فتوجهت نحو الشباك الأيمن الموجود فيه موظف صوته جهوري. قال: نعم، فأعطيته الكتاب. اطلع عليه وترك مكانه، فقلت «خلاص رحنا فيها كتابي اكيد في شي خطير اللي خلاه يقوم من كرسيه».
وبعد دقائق رجع ومعه ورقة وقال لي: «روحي غرفة 21 وبعدين روحي غرفة 10وبعدين روحي غرفة1 وبعدين تعالي.. يلله اللي بعده».
سألته: «لو سمحت انت شسمك؟»، فقال: محمد أحمد.
طبعا محمد احمد هذا عزيزي القارئ هو أحد الموظفين من إحدى الجنسيات العربية الذي يشق ويخيط بالمجلس الطبي، يعني «تبي واسطة تبي طبية تبي نسبة عجز مالك إلا محمد أحمد اللي لابس دشداشة بيضا وغترة حمرا علشان يساير الموضة ويمشي مع حجاب بوتفخة والعباية المخمة»..
وبعد رحلة طويلة بين غرفتي 20 و10، كانت عقارب الساعة تشير إلى الواحدة، يعني أنا زهقت العافية، والصراحة عزيزي القارئ هانت علي نفسي كثيرا لأني لم أجد احدا «يعطيني ويه» ويساعدني.
ملاك الرحمة
وبعد جهد جهيد تسلمت كتابي الذي جرت طباعته في غرفة 10 وتوجهت إلى غرفة 1 وهي الغرفة الخاصة برئيس المجلس الطبي الدكتور يوسف المضاحكة، الذي أتوقع ان حمى الجويهل أصابته، فخلع البدلات الأنيقة التي تعودنا أن نراه فيها، ولبس الدشداشة البيضاء والغترة الحمراء (الشماغ).
وطبعا لكي يتم توقيع كتابي من الدكتور المضاحكة كان علي أن أنتظر ساعة كاملة، لكن الله سبحانه وتعالى عطف علي وارسل لي ملاك الرحمة عبد الكبير أنور الذي رآني من وراء الدريشة، وكأننا نجسد قصة حب صامتة، فأنا أمسك كتابي وواقفة في حيرة، وهو ينظر إلي بنظرة الشفقة.
خرج من وراء الباب، وقال لي بصوت كالرعد: «شنو فيه»؟
فقلت له: «أنا مسكينة ابي اعتمد هذا ورقة الله يخليك».
فضحك وبانت أسنانه الصفراء وضرسه المكسورة وقال: «لازم اول شي انت يحط طابع».
فقلت له: «ماعندي فلوس.. في كي نت؟».
فقال: «لا ماكو.. بس في بنك. انت تعال».
ومشيت معه بكل قواي العقلية بدون أن أحرك برطما عن برطم. وأدخلني من دواعيس حتى فتح لي بابا سريا للموظفين وقال: «شوف في سيارة مال بنك مناك. انت روح وانا يوقف مني».
وفعلا كانت هناك سيارة تابعة لأحد البنوك فيها خدمة السحب الآلي. توجهت لها وسحبت الفلوس ورجعت حق عمي عبد الكبير، وأعطيته فلوس الطابع واكراميته لكي يساعدني في الخلاص من جحيم المجلس الطبي، فقال: «خلاص انت وين سيارة؟».
أشرت له فقال: «خلاص روح اقعد بالسياره وانا بعد خمسة دقيقه يجيب ورقة».
وفعلا ذهبت وجلست في سيارتي معززة مكرمة في هذا البراد. وبعد اقل من خمس دقائق وإلا بهذاك الزول مال عبد الكبير مقبل صوبي، ومعه الظرف الأدعم.
وعندما فتحت الظرف وجدت توقيع واعتماد الرئيس على الورقة وكل شغلي خالص.
شكرته وقلت له «الله يعطيك العافية»، فقال: «انت مره ثانية ييجي على طول.. تعال حق انا زين، يالله الحين روح دوام».
فقلت له: «انشاء الله طال عمرك».
كانت هذه رحلتي مع المجلس الطبي العام، وأتمنى من الدكتور هلال الساير أن يقوم بعمل زيارة مفاجئة لهذا المكان لكي يتأكد بنفسه من كل ما خطته يداي، وما خفي كان أعظم.
مقتطفات من داخل المجلس الطبي
• لا يتم الاعتراف بشيء اسمه طابور أو دور داخل المجلس الطبي، يعني عادي ان تكون واقفا عند الشباك تشرح حالتك، ويأتي أحدهم و «يدزك» ويتكلم. وهذا ماحدث معي، فأثناء وقوفي عند الشباك الأيمن، وانا أتكلم مع السيد محمد أحمد، جاءت احدى المنقبات، فقلت لها: لوسمحت انه دوري، قفي في الطابور.
فردت علي وقالت «نعم»، وظلت واقفة في مكانها.
قلت لها مرة أخرى: لو سمحت هذا دوري.
فقالت: ادري بس بعطيه الورقة.
أجبتها: لو سمحت قفي في الطابور.
فردت علي بكل بساطة: «جبح ويه».
• تم لصق عبارة ممنوع الوقوف بالممرات على كل اروقة المبنى، ولكن الشيء المضحك المبكي أن الناس كأنهم يتعمدون الوقوف وعرقلة سير المراجعين.. يعني خالف تعرف.
• عادي وانت بغرفة الفحص أن يفتح احدهم عليك الباب و «يدرعم»، كأنه لا يوجد أحد جالس عند الطبيب حتى يكتب التقرير.
آخر الكلام
وافتنا وسائل الإعلام بخبر اعتقال أخطر سيدة في تنظيم القاعدة هيا القصير، التي قامت الدنيا ولم تقعد بسبب اعتقالها. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه ليس عن خطورة هذه السيدة، لكن: هل يجوز الاختلاط بين النساء والرجال بينكم أيها المتأسلمون؟ أم أنه حلال عليكم وحرام على غيركم؟
انا لا أقول غير الله يخسف فيكم أكثر وأكثر، ويفكنا منكم ومن شركم ان شاء الله.