روابي البناي
صبحكم الله بالخير والنور والكرامة، صباحا مملوءا بالحب والأمل والسعادة، صباحا خاصا لكل الطلبة الذين هم في طريقهم لأداء امتحاناتهم، عسا الله ان يوفقكم ويفتح بصيرتكم، صباحا مصحوبا بسلة من الورد الجوري الأحمر الهولندي الفاخر لكل أم ولكل أب مع رسالة مدون بها «الله يعطيكم ألف عافية وإن شاء الله لا يضيع تعبكم، وتكون الفرحة الكبيرة بعد هذه الفترة بنجاح فلذات أكبادكم».
..وصباحا خاصا، وخاصا جدا، لبلدي الكويت مع قبلة كبيرة على جبين هذه الأرض الطيبة التي من أفعال بعض ناسها أصبحت أضحوكة، فهذه قبلة يا كويت مع عهد ووعد مني ومن كل مواطن صالح وكل مواطن «يبين بعينه» الذي فعلته لنا «مو منكر حسنه» مثل بعض الناس، وعد بأن لا نجعل الدمعة تنزل من عينيك مرة ثانية، وأن نتحد ونكون يدا واحدة ونوقف المرتزقة عند حدهم.
اليوم سأتكلم عن بعض الأئمة وخطباء المساجد، الله يصلحهم ويهديهم، الذين عندما يعتلي الواحد منهم المنبر يعتقد انه سيحارب في طالبان، وليس يخطب في الناس ويعظهم ويوضح لهم سماحة الدين وحب الله لنا وخوفه علينا. فكن معي عزيزي القارئ في رحلتي اليوم مع خطباء بعض مساجد الكويت، وتفننهم في تنفير الناس من دخول بيت الله.
النار مثواكم وبئس المصير
يعتبر يوم الجمعة عيد المسلمين، فتجد الصغير قبل الكبير يلبس ويستعد للذهاب للمسجد سيرا على العادة. وهذا ما يدعو للفرح، لأن بعض الذين يذهبون للمساجد يوم الجمعة لا يقربونها بتاتا طيلة أيام الأسبوع، والبعض منهم لا يصلي إلا يوم الجمعة، ولكن تبقى مسألة الذهاب يوم الجمعة مؤشرا جيدا يبشر بالخير على وجود خصلة طيبة في هذا المصلى الأسبوعي الذي يحرص على الذهاب للمسجد وسماع خطبة الجمعة وأداء الفريضة جماعة لكسب الأجر والثواب.
لكن المشكلة لا تكمن في هذا المصلي الأسبوعي، لأننا لا نملك الحق بمحاسبته على عدم صلاته طيلة الأسبوع، لكون المولى عز وجل هو الوصي الوحيد على محاسبته، فالمشكلة تكمن في خطيب ذاك المسجد الذي قصده هذا المصلي، الذي أتوقع من وجهة نظري المتواضعة أنه يعاني من مشكلة نفسية مستعصية، لذلك تجده ما أن يعتلى المنبر لكي يخطب بالمصلين في هذا اليوم الفضيل، حتى يكفهر وجهه وينعقد حاجباه، وترتسم كل علامات البؤس والنكد على محياه، فلا أدري ماذا ترك لأبي جهل؟
ويل ووعيد
وياريت الأمر يقف عند هذا الوجه التعيس، لكنه يتعداه عندما يبدأ هذا الخطيب بالتغريد بصوته الأجش، فيبدأ بالخطبة التي من المفترض أن تركز على علامات حب الله للخلق ومدى سماحة ديننا الإسلامي الحنيف والوسطية التي تجعل حياتنا أجمل وأسعد، فكل هذه الأمور بعيدة كل البعد عن خطبة هذا الملتحي، فتجده يبدأ بكلمة الويل والوعيد من الله لعباده، ومدى العذاب الذي ينتظرهم من مولاهم وينهي خطبته بذكر اسم «خازن» ملك النار.
وإن لم يذكر النار تجده يأتي بذكر مناقب «طالبان»، وغيرها من الحركات الإرهابية التي تأخذ من الدين شعارا لها، وهي في الأصل أساس الاجرام والإرهاب في العالم.
فأنت يا أبا جهل زمانك، لماذا تنفر الناس من دينهم؟
لماذا تكره البشر بالذهاب لبيوت الله؟
لماذا تجعل هذا المصلي وهذه المصلية يندمان على الساعة التي دخلا فيها بيت الله لأداء فريضة الجمعة؟
لماذا تجعلون نفسيات الناس بعد خروجهم من المسجد متعبة، لا يشتهي الواحد أن ينظر إلى نفسه، ويحس بأنه يحمل ذنوب الكون كلها فوق عاتقه؟
أهذا هو الدين؟
يا أخي إذا كنت متعقدا من لحيتك وتعتقد إنها سبب تعاستك و«تقلدم» وجهك، أجلس في بيتك واخطب في أهل بيتك، لأننا لسنا ملزمين بتحمل سمومك التي تبثها علينا في يوم فضيل مثل الجمعة.
لكن الشرهة ليست عليك بل على وزارة الأوقاف التي تترككم تسرحون وتمرحون على كيفكم. فأين دور إدارة الرقابة على المساجد؟
وأين دور الرقابة على الخطب التي تحمل فكرا منفرا للدين ومنافيا لسماحة ديننا الحنيف ووسطيته؟
بشروا ولا تنفروا
لست ضليعة في أمور الدين، ولست متمكنة في أمور الفتاوى التي أصبحت أكثر من تصريحات بعض اعضاء مجلس الأمة ووعيدهم «الخربوطي» باستجواب فلان وفضح علان، لأنني تربيت كحال الكثير من أهل الكويت على الوسطية والاعتدال، وعلى أن ديننا الإسلامي دين رحمة وحب وتفاهم ومغفرة وتسامح، دين علاقة وطيدة بين العبد وربه، فأنا (والعياذ بالله من كلمة أنا) أعلم أن الله سبحانه وتعالى يحبني، لذلك لن يؤذيني ولن يدخلني النار، حتى لو كنت قد ارتكبت بعض الأخطاء فهو غفور رحيم.
لكن ما يقوم به أحفاد أبو جهل في منابر المساجد مناف تماما لتعاليم ديننا الإسلامي السمح السلس.
فأنت يا من تأخذ من منبر المسجد مساحة لترهيب الناس وتخويفهم من الله ومن عذابه، لماذا لا تتصالح مع نفسك وترى الدنيا بعين جميلة، وترغب الناس بالإسلام، وتؤكد لهم أن الله سبحانه وتعالى يحبهم وينتظر منهم كل شي جميل لكي يرده بأجمل وأحسن منه؟
لماذا لا تفتح قنوات الرحمة والدعوة لهذا المصلي الإسبوعي الذي يأتي لكي يسمع منك كلمة إيجابية، كلمة تجعله يأتي للصلاة يوميا وليس اسبوعيا؟
لماذا لا تتسم خطبتك الأسبوعية بالوسطية والاعتدال وليس بالترهيب والنار؟
لماذا تتلذذ وأنت تسمع نحيب وبكاء النسوة والرجال بالصلاة وانت تلقي عليهم الدعاء المأساوي الذي تتعمد الإطاله فيه، خاصة في ليالي رمضان المباركة، وأنت تصف أهوال النار وجحيمها وهي تغلي وتنتظرهم؟
لماذا تعزف على الوتر الحساس باختيارك الكلمات المؤثرة وانت تذكر الموت والقبر؟ وتبدع وانت تسرد تفاصيل العذاب الذي ينتظر هذا المصلي الذي أتى لكي يلاقي ربه بقلب صاف ونفس متلهفة لحب الله؟
يسر وليس عسرا
يا أخي الدين يسر وليس عسرا، فلماذا كل هذا العذاب؟ ولماذا كل هذا الترهيب؟ ولماذا كل هذه القسوة في الطرح؟ هل تعتقد انك ستوصل المعلومة بهذه الطريقة وترسخها؟
تأكد أيها الخطيب الفاشل، أنك بهذه الطريقة أنشأت بيئة طاردة لدخول المسجد ولحب الإسلام ولتوطيد العلاقة بين ذاك العبد الأسبوعي وبين ربه، فهو سيقول في قرارة نفسه: هل سيرضى الله عني وأنا غير ملتزم بالصلاة؟ ولست ممن يطلقون لحاهم ويتركونها حتى سرة كرشهم؟ فأنا سأدخل النار سأدخلها، فلأكمل طريقي في عدم الصلاة وارتكاب الأخطاء، لأن الله لن يغفر لي وسيعذبني حسب كلام الشيخ الدايخ في صلاة الجمعة. وعندها ستكون خسرت مصليا كان من المحتمل أن يهديه الله، لكنك جعلته يرفع شعار «ولا تقربوا المساجد».
فلله الحمد والمنة أني وكثير من أهل الكويت لم نذهب إلى اجتماعاتكم، ولم نحضر محاضراتكم الدينية، ولم نشترك في خدماتكم التي تبثونها عبر الهواتف النقالة أو عبر المحطات المتلفزه لكي نكون ضليعين مثلكم في أمور الدين كما ترونه من وجهة نظركم التشاؤمية العدوانية المبشرة بالنار والمنفرة من الجنة. لذلك تجدنا أناسا أسوياء طبيعيين نعرف أن الله هو من يحتضننا وقت الشدة ويفرج عنا كربنا، هو من يشفينا إذا مرضنا، وليس من سيصلي جلودنا لأننا لم نصل أو لم نتحجب أو لإننا جلسنا نضحك أو لأننا اختلطنا بالجامعة مع زملائنا. فكفوا شركم عنا وابدأوا بعلاج أنفسكم ثم بعلاج الناس الذين باتت بهم عقد نفسية من كلامكم وسمومكم التي تبثونها.
آخر الكلام
أتمنى من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بأن تفعل لجان الرقابة على المساجد وعلى خطباء المساجد، وأن تضع استراتيجية حول خطبة الجمعة التي تلقى على خلق الله، علاوة على ضرورة إنشاء مركز للوسطية في الكويت يدعو بكل وسطية ويسر إلى تعاليم الدين الإسلامي لكل من يرغب بالاستفادة.