كتب :خالد الشرنوبي
نظرية أن الضعيف يحتاج إلى القوي هي نظرية بائسة ؛ لأن للقوة مظاهر عِدّة واستعلاء عرْشها له طُرُق مختلفة ومناهج متفاوتة ؛ الضعيف يحتاج إلى القوي لأنه يريد أن يبقى ضعيفاً ؛ أما إذا تَحرَّرَ من عبودية الوهن فإنه لن يحتاج إلا لنفسه .
نظرية أن العرب هم جهلة العالم نظرية خادعة ؛ لأن للعِلمِ والتطوُّر أحوال تُؤثِّر في مستواه ؛ هذا من ناحية المكان والمجتمع أما من ناحية الفرد ، فإن الجهد البشري هو المُتَحكِّم في تغيير الظروف الحائلة دون الالتحاق بِرَكبِ التَقَدُّم ؛ العرب مثلهم كباقي الأمم منهم الصالح وفيهم الطالح ، منهم النشيط صاحب الهمة وفيهم الكسول مُنعدِم الهمة ؛ وكما قلت فإن المجتمع والبيئة يُؤثِّران في بلورة الشخصية العربية ؛ وعند ملاحظة مراحل تطوُّر الشخصية العربية نجد أن المنهج الذي جاء به محمد صلّى الله عليه وسلَّم هو منهج تربَوي وإصلاحي فَذ ، نَمّا مَقدرة العربي وأظهر موهبته واستثمر فكره ووقته بإيجابية لم يختلف عليها إلا المشكِّكون .
بعد موت محمد صلى الله عليه وسلّم تناول المنهج أتباعه وِمن ثمّ مَنْ تبَعَهُم صدقاً منه في ذلك أو لِمأرب آخر في نفسه ؛ فحصل أن جماعة حافظوا على هذا المنهج والبعض قاموا بتشويهه أو بِدَسِّ أفكار عِرقية أو تأثُّراً بثقافات أخرى ؛ الحاصل أن الإختلاف وقع وأدى إلى صِراع بين الفِرَق ؛ أيهم أحق للولاية ؟! ؛ كل فرقة تدّعي أنها على الصواب وأجدر بالزعامة لذيع ما لديها من حق ؛ فكان إذا ظَفَر زعيم فرقة بحكم المسلمين سعى إلى بسط عقيدته على أرض الله ، سواء حقاً كانت أو باطل ؛ وفي كل الأحوال بقى الإختلاف والتنازع بين “المسلمين” حتى صاروا كالغرباء ؛ وكأنهم لا يتبعون نفس الرسول الذي خرج من بطن مكة وبلّغ عن ربه قرآناً واحداً لا عِوَج فيه ؛ فَتشوَّه المنهج الواحد ؛ وتَحَوَّل إلى مناهج ، وضاعت العاطفة تجاه الدين ، وأصبحنا نسير في درب مظلم يحفَّه الخوف والقلق ، آخرهُ مجهول ؛ لأننا صِرنا بلا هوية ؛ وأصابنا إحساس بأننا أمة عجماء لا تصلح لشيء ، لا طائل من وجودها إلا لتأخير حركة التقدُّم وتعطيل سَيْر التطوُّر ؛ أفرادها عِيالٌ على غيرهم في طعامهم ومَلبسهم وركوبهم وكل معيشتهم ، حتى سلاحهم يبتاعوه من أعدائهم ! ؛ ومن هنا تَجرَّأ المستشرقون ليدّعوا أن جِنس العرب جنس مُتدنِّي مُنساق إلى الركون والدِعةِ ، وأن الجنس الآري هو أشرف الأجناس وبالطبع فالجنس السامي دونه بمراحل ؛ وهذا ما قاله الفيلسوف الفرنسي ” أرنست رنان ” .
أريد أن أعرِض ما قاله مستشرق من القرن الماضي إسمه “لابي” ، قال : ” إن النفس اليهودية منساقة بفطرتها إلى المستقبل والنفس العربية منساقة إلى الماضي فهما متنافرتان ” .
وأنا أؤيد رأي “لابي” ؛ ولكن بتأويلي الخاص وأعتمد مقولته على بداية فترات الضعف ونهاية فترات القوة .
فالعرب غلبوا معظم أمم الأرض في القوة والتنظيم وإيمانهم بالعقيدة ، فسيطروا على أجزاء عظيمة من آسية وأفريفية وأوروبة وأخضعوها للإسلام ؛ هذه فترات قوة لم تكن إلا بقيادة رشيدة تنظر للماضي لتستمد العِبرة وتدير الحاضر بهمة دون أن يحيد بصرها عن المستقبل ؛ فتضع الماضي على يمينها والمستقبل على يسارها والحاضر أمامها ، وتسير بخطى ثابتة دون أن تتعثّر أو يتشتت عزمها ؛ أما القيادة الدنيئة هي التي تركن إلى السكون وتكتفي بميراث الآباء ؛ وتتفاخر بالماضي الذي وَلّى وأدبر ، وتُعلِّق بصرها عليه ولا تنظر أمامها أبداً ؛ تقف مكانها لا تتحرك كأنها لا تبغي من الحياة أكثر من ذلك ؛ وهذه القيادة الغبية لا تفقه قوانين الحياة ؛ ومن قوانين الحياة عدم التوقُّف ، فإن التوقُّف يعني أن هناك من يسبقك وعلى وشك أن يأخذ ما بيدك .
وهنا نخرُج بفائدة وهي أن الإنسان إذا كان في سكون وتراخي فإنه يشغل ذهنه بإنجازات الآباء والأجداد ويزج بنفسه وسطهم حتى يكون لسكونه مبرِّراً ؛ ويظل يلوك أخبار الماضي وآثار السلف متفاخراً ، كأنه يقول نحن فعلنا وفعلنا فحان وقت الراحة ؛ وهذا هو حال العرب الآن ! .
أما اليهود فإنهم دائماً قلة ؛ ولهذا السبب فإنهم حريصون على تأمين المستقبل ؛ يعملون لليوم وللغد معاً ؛ يُؤمِّنون طعام الحاضر والمستقبل ؛ وهذا حال المُحاصَر أو الذي يشعر بعلة عنده ؛ فإنه يتطلَّع إلى حاله الجديد في المستقبل ؛ والعلة التي في اليهود هي علة إيجابية لأنها تُحرِّكهم وتدفعهم إلى الأمام ، حتى وإن كانت هذه العلة هي الخوف ! ؛ أما العرب الآن فإن كثرتهم دفعتهم إلى الركون ، فصاروا يُركِّزون على طعام اليوم ومتاعه دون التطلُّع إلى المستقبل .
نظرية القومية العربية نظرية ضارة ؛ لأننا إن نادينا بإسم العروبة فقط فسوف نُخرج من بيننا كل الدول الإسلامية الغير عربية وسنفقد من حساب المسلمين أكثر من مليار مسلم ! ؛ فهل نحن عرب أم مسلمون ؟ .
المسلمون صاروا أكثر من ربع سكان الكرة الأرضية ؛ فهل صارت المسئولية أكبر ؟ .
الإجابة : المسئولية هي المسئولية !
لو لم يكن على صعيدها إلا مسلم واحد لكانت المسئولية أيضاً عظيمة ؛ فالحال الآن إننا كثيرون لكن بدون كيفية ؛ وقد يكون مسلماً واحداً صاحب كيفية وتأثير ؛ فإن العِبرة ليست بالعدد ولكن بالكيفية والدور الإيجابي ؛ وفي حالتنا هذه فإن كل دعائم التأثير والتحرُّك متوفرة ، ينقصنا فقط عناصر الإيمان والهمة والتخطيط .