روابي البناي
صبحكم الله بالخير يا أهل الكويت، ان شاء الله صباحكم اليوم حلو مثلكم، أبيض مثل قلوبكم الطيبة الصافية. في البداية أود أن أعزي ذوي ضحايا كارثة خط الدوحة، وأسأل المولى العلي القدير أن يتغمدهم برحمته الواسعة ويسكنهم فسيح جناته ويلهم ذويهم الصبر والسلوان، وأتمنى من كل قلبي أن تكون هذه الكارثة درسا وعظة لكل الشباب بألا يرموا أنفسهم في التهلكة لأن نهايتهم ستكون موحشة.
كما أتمنى من ذوي الاختصاص في السلطتين -جزاهم الله خيرا- أن يتكرموا بتخصيص أرض لبناء حلبة، لا أريد أن أحلم وأتشرط وأقول أنها لا بد أن تضاهي حلبة «الفورمولا» الموجودة في مملكة البحرين، لكن حلبة صغيرة «مجكنمة» يمارس فيها الشباب هواية السباق والتقحيص والتشفيط وغيرها من الهوايات، وتكون تحت مرأى ومراقبة وزارة الداخلية، وأتمنى أن يدرجها الفهد ضمن خطته التنموية لتطوير ونهضة الكويت التي وعدنا بها.
كما أتمنى أن يتم الانتهاء من بناء مستشفى جابر الذي وضع أساسه صاحب السمو، وحتى الآن لم يتم دق مسمار واحد فيه، حتى لا نصبح أضحوكة للجميع، لأنني على يقين بأن مستشفى البصرة سينتهي قبل مستشفى جابر، وقولوا روابي ما قالت…
اليوم – سلمكم الله – سأتكلم عن بعض المظاهر والتصرفات الغريبة والعجيبة التي تصدر عن بعض الحريم (الله يهديني واياهن) عندما يقمن بتقديم واجب العزاء، والاستعدادات التي تسبقه، وغيرها من المشاهد التي يشيب لها الرأس و«تتبقق» لها العين. لا أطيل عليكم وكونوا معي عبر الأسطر القادمة للتعرف على آخر ما توصلت إليه دور الفناتق الكويتية في العزاء، والتي شاهدتها أثناء تقديم واجب عزاء في الاسبوع المنصرم.
أولا: موضة العباءة الإسلامية والسكارف الفوسفوري
الوضع العام للمكان كان في قمة الزحمة بسبب مكانة هذا الشخص في قلوب الكثيرين ممن توافدوا لتقديم واجب العزاء فيه، إلى درجة أن الكثير من الحريم لم يجدن مكانا للجلوس. وفي خضم هذا الزخم البشري من المعزيات، دخلت بعباءتها الإسلامية وشعرها المنفوش وسكارفها البرتقالي الفسفوري الملتف حول رقبتها، الذي من قوة لونه لبست نظارتي السوداء لكي أحمي عيني من الأشعة المنبعثة من رقبتها. المشكلة ان هذه المعزية الفوسفورية دخلت علينا دخلة قوية بكل ثقة، وأخذت «تفتر» على الصالة الكبيرة لكي تقدم واجب العزاء، وهي تبعث على الحاضرات اشعتها البرتقالية.
يعني العباءة التي يسمونها «إسلامية» بدون شيلة نحاول بلعها، لكن الذي لن نستطيع بلعه هو السكارف الفوسفوري.. فما قصته؟ وما موقعه من الإعراب؟
الصراحة طول ما أنا قاعدة شغلتني هذه الفوسفورية، وشلت تفكيري فتوصلت إلى عدة نتائج دعتها لارتداء هذا الشيء، وكانت تحليلاتي:
– قد يكون قارم رقبتها فأر عود من فئران الكويت قبل، من النوع الذي عضته لا ترحم، لذلك لا تستطيع أن تشيل اللفة من رقبتها.
– قد تكون هاربة من مستشفى الطب النفسي، والقسم الذي كانت فيه من مشجعي نادي كاظمة البرتقالي.
– قد تكون من هواة رياضة المشي، وتخاف أن تضيع لذلك لبست هذا اللون الذي يكسر العين.
والمصيبة الأكبر ليست في «البرتقالة الفوسفورية» التي اتحفت الموجودين في أول أيام العزاء، لكن في البنات اللواتي بدأن بتقليدها ثاني أيام العزاء لكن بشكل أثقل، فكان الشكل العام ثاني أيام العزاء هو العباءة الإسلامية والسكارفات، لكن بألوان داكنة، يعني أسود ورمادي مراعاة لظروف العزاء.
ثانيا: بوتات UGS وكعب ناطحات السحاب
كما تعلمون أن البرد محاربنا هذه السنة في الكويت، يعني درجة الحرارة (ان أذبحت عمرها) تصل إلى 17 في الليل، أي ان الجو يكون طوال اليوم معتدلا، وبالتالي من الطبيعي أن يكون اللبس معتدلا. لكن هيهات أن يمشي هذا الشيء عندنا في الكويت، فالبعض ينتظرن أي مناسبة حتى يلبسن «الكبت واللي فيه»، وللأسف أن العزاء أصبح مناسبة تتنافس فيها بعض الحريم بلبس كل ما لديهن من ماركات وألماسات وغيرها، من دون أي مراعاة للآداب العامة ولمشاعر أهل المتوفى.
دخلت أزلاف من البنات ممن ينتمين إلى حزب «ما عندي وقت امشط شعري»، مرتديات العباءة التي تم رفعها حتى وصلت منطقة «الجبد»، وذلك لكي تظهر الواحدة منهن البوت UGS الذي ترتديه، وكانت «خاشته في الكبت» بانتظار اي مناسبة يوجد فيها كثير من الحريم والبنات للتباهي به أمامهن.. لا أدري لماذا البوت وهي ذاهبة إلى عزاء؟
انزين قد تكون بردانة ومضطرة ان تلبس البوت، لكن لماذا ترفع العباءة إلى أن تصل «جبدها»؟ ويا ليت الأمر يقف عند البوت ورفع العباءة، فالموديل الذي لا ملامح له ولا تفسير هو كعب ناطحات السحاب (يعزكم الله). أنت ذاهبة إلى عزاء فلماذا ترتدين كعبا طوله متران ودقيقا كأنه قلم رصاص؟ يعني «غصب أنا طويلة». هذا غير التي دخلت علينا بكعبها البنفسجي الفاقع الذي لفت نظر كل الموجودين من لونه وطوله (عفارين حيل).
ثالثا: عقد شيخة وكشرة غنيمة
معروف عنها حبها لتأدية الواجب والوقوف مع حبايبها في الحزن قبل الفرح، لهذا كانت المعزية شيخة موجودة لتشاطر ذوي المرحوم احزانهم. لكن وجودها كان له طابع خاص، كما تقول كوكب الشرق «شكل تاني حبك إنت»، فكانت شيخة ترتدي بلوزة «أم دلعة» وعقدا من ثلاثة أدوار وسردابا من الخرز كأنها ذاهبة إلى عرس، وتجلس بكل ثقة بين المعزيات وعقدها يتدلى أمامها.
أما غنيمة أم كشرة، فالصراحة لم تقصر، قامت بالواجب وزيادة. ظلت موجودة في العزاء صبحا وعصرا، ليس حبا بأهل الفقيد، لكن «لبلاغة الشف» التي فيها، فما أن تطأ قدمها بيت الفقيد حتى تجدها تفتر من قسم إلى قسم بين المعزيات، تأخذ سالفة من اليمين ومعلومة من اليسار وضحكة من الخيمة، و«الكشرة شاقة حلجها» إلى درجة اني خفت على أسنانها أن تقع ونبتلش فيها بعدين.
رابعا: الملاقيف ومندوبات FBI
أما هذا النوع فحدث ولا حرج. تجد «المعزية الملقوفة» تجلس بجانب احدى قريبات المتوفى وتنهال عليها بالأسئلة: «ليش مات؟ شفيه؟ وين مات؟ منو كان معاه؟ منو بناته؟ جم وحده متزوجه؟ منو مناسبين؟ وين يشتغلون؟»، كأنها مندوبة FBI تحقق في جريمة فدرالية تهز الأمن القومي الأميركي من شدة تتابع الأسئلة وتنوعها.
ولا تكتفي هذه «المعزية الملقوفة» بسؤال جهة واحدة، لكنها تتنقل من مكان إلى مكان وتسأل كل من له صلة قرابة من قريب أو بعيد بالمرحوم عن أدق التفاصيل. فبدل أن تقعد وتعين من الله خير وتفتح مصحفا وتقرأ قرآنا، وتدعو للمرحوم بالرحمة، تجد عينها تفتر على الحاضرات كأنها «كتويل»، وما أن تلمح احدى قريبات المرحوم حتى تتسحب من مكانها من دون أن يشعر بها أحد، وبلمح البصر تجدها جالسة بجانب هذه القريبة لكي تفتح معها محضر التحقيق حتى «تبلغ شفها»، و«تنشف ريج» هذه القريبة التي سوف تشرب كرتون ماء بعدها.
رحمة بأهل المرحوم قعدوا في بيوتكم
إذا كانت مثل هذه الفئات التي تم ذكرها موجودة في العزاء، فأنا اقول ان وجودهم في بيوتهم أرحم بكثير، وأكثر تقديرا لمكانة المتوفى وذويه، لأن وجود هذه الأشكال في أماكن العزاء غير مرغوب فيه، وأنا على يقين من أن أهل الكويت «السنعيين» لا يرضون بهذا الشيء.. «بس الواحد شيقول.. آه من بطني وآه من ظهري».
فأنا أعتذر لذوي الفقيد الغالي عن هذه المناظر التي آلمتهم و«طيرت بوهتهم» لغرابتها وسخافتها. وأدعوهم وأدعو كل إنسان سوي أن نتوجه بالدعاء والابتهال لله سبحانه وتعالى بأن يمحي هذه المشاهدات الدخيلة على مجتمعنا الكويتي الذي جبل على احترام مشاعر الناس في افراحهم واحزانهم، ويفك الكويتيين من الـ Show off الزائد.
لواجب العزاء آدابه وأصوله.. فاذا لم يستطع البعض الالتزام بها ومراعاة شعور أهل المتوفى، فمن الافضل لهم أن يجلسوا في بيوتهم.