كتب : خالد الشرنوبي
حتى نُثبت وجود علاقة تقارب بين المجموعتين السامية والحامية ، يجب أن نـُحَكِّم عِلميّ الأنثروبولوجيا (علم الأجناس) والفونوطيقا (علم الأصوات) في هذا الأمر .
بدايةً احتكامنا لعلم الأجناس سيكون من أجل أن يُوضِّح لنا ، هل حصَلَ اختلاط بين الشعوب “السامية” والشعوب “الحامية” ؛ والإجابة ستكون نعم ؛ ذلك انطلاقاً من النظرية الشهيرة التي تقول بوحدة أصل اللغات السامية والحامية ، ويرجع هذا الأصل إلى شبه الجزيرة العربية .
هاجرت قبائل عدة من شبه الجزيرة إلى مختلف الأمصار حيث أضفة الأنهار والأراضي الخصبة بعد أن أصيبت أرضهم بالجفاف والتصحر ؛ فحصلت هجرات عدة ، وإثر كل هجرة ومن ثمّ الإستقرار في الموطن الجديد يحدث تطوُّر للغة الأم لتخرج لنا لغة جديدة ذات معالم قديمة وأصيلة .. وبذلك فقد انبثقت عن اللغة السامية الأم لُغاتاً عديدة تم تصنيفها في مجموعة سُمِيَّت باللغات السامية الحامية .
كانت إحدى هجرات قبائل شبه الجزيرة إلى المغرب العربي الكبير ، واختلطت هذه القبائل المُهاجِرة بالسكان الأصليين ، فتوَلَّد عن هذا الاختلاط القبائل التي كوَّنت الحاميين فيما بعد ، كالشعب المصري القديم ، والشعب الأمازيغي .
ونَخلُص من ذلك الالتقاء والاختلاط بين الجنسين الحامي والسامي إلى إلتقاء – أيضاً- في الموروثات الثقافية ، ومن أهمها اللغة . أي : التقارُب اللُغوي .
كان هذا من ناحية عِلم الأجناس ؛ أما من ناحية علم الأصوات “الفونوطيقا” ، فنجد إنه يؤكِّد القرابة اللغوية بين المجموعتين السامية والحامية في الصوتيات والصرف والنحو والمفردات ، على سبيل المثال :
– نجد تقارب بين اللغة الليبية القديمة “الأمازيغية” وبين اللغة الآرامية في رسم بعض الحروف كالتاء والدال والشين والكاف .
– نجد تقارب بين اللغة الأمازيغية وبين اللغة الأكادية ، حيث تلتقيان في عدد كبير من الجذور ؛ وأيضاً في عدم تمييزهما بين المعرفة والنكرة لعدم وجود أداة التعريف في اللغتين .
– نجد تقارُب بين اللغة الأمازيغية وبين اللغة المصرية القديمة “الهيروغليفية” ، فاللغة المصرية القديمة سامية في طبيعة أفعالها ، وتشترك مع الأمازيغية في العديد من الملامح ، وفي عدد من الكلمات الأصلية البدائية .
– نجد تقارُب بين اللغة الأمازيغية واللغة الكنعانية ، بسبب التواصل العرقي بينهم ، فعندما هاجر الفينيقيون إلى المغرب ، و وجدوا بين المستوطنين جماعات من بني جنسهم ، أدى هذا الأمر إلى تَكَوُّن مجموعات سكانية جديدة كانت مزيجاً من السكان الأوائل والمهاجرين ، وتولّد ما يُطلَق عليه اسم “الليبيون – الفينيقيون” .
– ومثال أخير على المستوى العام ؛ فإن الجذر الدال على الإيمان في كل الساميات ( ا م ن ) ، وفي الحاميات ( م ن ) ، ومعناه واحد في المجموعتين ، وهو (صَدَّقَ) .. ، في العربية نقول آمَنَ ، وفي العبرية نقول אמן ، وفي المصرية القديمة ” م ن ” ، ومن هذا الجذر أُشتّق إسم الإله المصري القديم آمون .
يقول بعض العلماء أن اللغة المصرية القديمة (كلغة حامية) اقتبست من اللغات السامية أكثر من 1200 كلمة ؛ ونجد أن المراسلات التي تمت بين ملوك مصر والأمراء التابعين لهم في سوريا وفلسطين نحو 1400 ق م ، كانت بلغة شبيهة بالعبرية القديمة .