فلسطين .. لماذا كل العيون عليها ؟ .. مُتربصة بها
فلسطين الجريحة .. لازالت تنزف دماً .. لازالت مخنوقة بعبراتها .. لازالت تبُـثُّ أمرها إلى السماء .. لازالت تنعي أمة الإسلام .. لازالت تناشد ضمير الإنسانية .. لازالت تصرخ : يا معشر العرب !
لماذا فلسطين ؟ .. ؛ هذه البقعة الصغيرة التي توسطّت الدنيا .. عرفها الناس ذات شأنٍ ومكانة .. خرج بها الأنبياء .. و حلّ فيها وحي السماء .. فتقدّست أبْنيتِها وصارت الأرض مبروكة .. وبوأها الله منزلة شريفة يعرفها كل إنسان .
وإذا كان الأمر كذلك .. وأن فلسطين هي درة العالم .. ؛ فكان يجب أن تكون في يدٍ أمينة تُحافظ عليها .. ولا تحرم أحداً زيارتها والوفود عليها .. ؛ ولمّا راجعنا “التاريخ” ،
قال لنا : إن المسلمين هم خير من حكموها .. فأرسوا فيها أُسُس العدل والسلام .. وأقاموا بها حرية الدين .. وأناروها بالعلم والحضارة .. ثم ماذا ؟ .. ثم ماذا ؟ .. خَبِّرنا يا “تاريخ” !
سطى عليها “مغول الغرب” واقتلعوها من أيدي المسلمين .. ليطبقوا فيها سياسات الظلم والإجحاف .. ويرفعوا عنها شعار الأمن .. ويُسَيِّروا فيها دماء أهلها أنهاراً .. فنزلوا فيها كالجراد .. الذي يُهلك الحرث .. ويأتي على الأخضر واليابس .. ؛ ثم طردوا أهلها ، وطبَّقوا فيهم سياسة الترحيل “الترانسفير” .. وأعملوا فيهم كل وسائل التطهير والإبادة العرقية الغاشمة .. حتى صار السكان الأصليين هم الأقلية ، والغزاة المحتلين هم الأغلبية ، وهذه إحدى غرائب الزمان ، ومن مفارقات الدهر العجيبة .. أن يصيح الفلسطنيون مطالبون بحقوقهم ، وهم أصحاب البلد والأرض .. “أصحاب الأرض!” .. أنّى لهم بذلك ، والإسرائليون يقفون لهم بالمدافع والمدرعات والطائرات والنيران .. ومن خلفهم أمريكا تَشُدّ على أيديهم .. وتؤزهم أزّاً .. ؛ أما الفلسطنيون فليس لهم إلا الله .. كفى به ولياً ونصيراً
عجبت للذين ينادون بفصل الدين عن السياسة والدولة .. بحجة أن الدين أمر .. والسياسة “شأننا مع إسرائيل والغرب” أمرٌ آخر !
قلت لهم : وما الحياة ؟
قالوا : شئون إجتماعية وبيئية وصحية وأخلاقية وثقافية وسياسية .
قلتُ لهم : إذا كانت هذه هي الحياة ! ؛ فإن الدين عندنا أكبر من ذلك وأشمل ، إنما الحياة بكل ما فيها ركن صغير من ديننا ، ولدينا أركان أخرى أكبر وأهم شأناً منها ، ولا يخرج من كل ذلك شيئاً عن الدين القويم !
فالدين دستور المسلمين .. ما خذلهم قط .. لأنه دين قويّ ومتين .. ليس كالأديان الأخرى ضعيفة وهشة .. لا تخرج منها بجملة سليمة يقبلها عقلك .. أو ترضاها نفسك .. أو ترفع بها شأنك .. أو تجعل فيها وقتك .. أو تنظر بها أمرك .. أو تُحكّمُها بينك وبين خصمك .. ، لا تجد ذلك إلا في الإسلام .. ؛ لا أقولها عصبية .. أو ميلاً مني لديانتي .. فإنّا قد نُهينا عن العصبية .. ، ولكن أقولها إنصافاً .. وقد أُمِرنا بالإنصاف .. وقول الحق
كما أُمِرنا أن ننصُر إخواننا في فلسطين .. ونرد لهم حقهم المسلوب .. وكرامتهم الضائعة .. ؛ ولا يحدث ذلك إلا بوحدة وإيمان وعزيمة وصبر
وحدة بين المسلمين ، واجتماع تحت راية واحدة .. إيمان بأن الموت شهادة وجنة ، وأن الحياة نصر وعزة .. عزيمة بأن نجمع أمرنا على قتال العدو .. صبر على البلاء وشدة الحرب ونحتسب .
أما ما نحن فيه من فرقة وشتات .. فمثلنا في ذلك ، كمثل الذئب والثلاثة ثيران ..؛ أو لا تعرفوا قصتهم ؟! .. دعوني أقصُّها عليكم :
يـُحكى أن ذئباً كان يعيش وسط ثلاثة ثيران متحدين كالبنيان يشد بعضه بعضاً
وبقيّ الحال كذلك .. الذئب وحيد وضعيف .. والثيران مجتمعون وأقوياء .. حتى لمعت في رأس الذئب فكرة خبيثة ، وهي التفريق بين الثيران .. إذعانا لمبدأ ( فرِّق تـسُد ) ، وبالفعل شحذ عزيمته ، وانطلق إلى ثورين من الثلاثة – أحدهما أحمر والآخر أسود – فقال لهم : إني لكما ناصحٌ .. أنتم لبعض قريبون في اللون والشكل .. أما ثالثكما “الأبيض” فغريبٌ عنكما .. وإن تركتموه اغترّ بنفسه وتجرّأ عليكما .. وما يلبث حتى ينال منكما .. فانظرا في أمره .. وأنتم عنه أغنياء .. وأقوى منه وأشد بأساً .. ولا تنسوا إني لا أبغي إلا الخير ما استطعت ! .. ثم تركهم وغادر
أخذت كلماته تدور في رأسي الثورين حتى عرفت طريقها إلى قلبيهما واستقرت هناك .. ؛ لكنهما لم يجدا الفرصة أو الطريقة التي يتخلصا بها من صاحبهما الثور الأبيض
وجعل يمر عليهما الذئبُ .. ويختلس النظرات إليهما .. ويتطلع إلى حالهما ، ولما وجد عليهما حيرة وقلة حيلة .. اتجه نحوهما ، كالمُعين ، وبادرهما :
مالي أرى ثورين شديدي البأس يقفا مسلوبي العزيمة ؟!
قال أحدهما : لم نجد الحيلة ولا الفرصة بعد !
قال الذئب : دعا عنكما هذا الأمر ، فإني سأكفيكما شأنه !
فتبادلا الثوران النظرات بينهما في دهشة ، ثم أقرّوه على ذلك : أيّ خيراً ستفعل لنا !
ذهب الذئب فرحاً .. ؛ وما أن رأى الثور الأبيض حتى شدّ عليه والتهمه .. ؛ ثم مرّت شهور ، وعاد الذئب لينفرد بالثور الأسود
وقال له : انظر لصاحبك هذا .. يرى في نفسه القوة والسلطان ! .. ولا يرى فيك شيئاً .. ألا تنظر إلى لونه الغريب عنّا .. فكلانا ، أنا وأنت ، على لون واحد .. ما أوقره من لون ! .. أما هذا “الأحمر” فغريب عنّا .. انظر ما أنت فاعلٌ إذاً ؟!
وقفا برهة ينظرا لبعض .. والثور ظل مشدوهاً هنيهة .. حتى أفاق على صوت الذئب :
أفلا أُخلِّصك منه ؟!
فأومأ له الثور بالموافقة على الفور !
ذهب الذئب فرحاً .. وما أن رأى الثور الأحمر حتى شدّ عليه والتهمه .. ؛ ثم مرّ يوم ، فأتى الثور الأسود .. وقال له : هلُمّ إلي .. هلُمّ إلي !
وحينئذ بكى الثور .. وقال : إي ، والله لقد أُكِلت يوم أُكِلَ الثور الأبيض
فشدّ عليه الذئب والتهمه .. وانتهت القصة !
إنما هي عِبرتكم – يا معشر المسلمين – فاعتَبِروا !