جريدة الرؤية : 4/1/2010
كتبت : وضحة أحمد جاسم المضف
تعلمون يا أبنائي أن ولادتكم تمت على يدي، وخطواتكم الأولى كانت فوق جسدي ، وكلماتكم الأولى التي نطقتم بها كانت اسمي «أمي الكويت» مشتقه من لهجتي ، أفراحكم وضحكاتكم تطربني ، وأحزانكم وآهاتكم تؤرقني ، لففتكم جميعا ومازلت على جسدي ، وأعرف تفاصيلكم الدقيقة وما تخبئونه داخل نفوسكم المتعبة ، لذا لن أطلب اليوم من أحد أن يعطيني نبذة عن الشأن المحلي ، فأنا أقف على مسافة واحدة منكم جميعا أسمع وأرى، ولكني بدأت أشعر بالوحشة ، بل أشعر بالغربة ، بل بت أشعر بالمنفى ، بل أشعر بالمسؤولية التي تحتم علي بعد لملمة الوجع أن أخاطبكم جميعا ، لذا سأكتب لكم اليوم بحبري أنا وسأعلق خطابي على جدار كل بيت يسكن فيني ، ولا يعنيني الدخول بالتفاصيل فكلها ظاهرة أمام عيني وأعرفها جيدا ولا أحتاج لتعدادها ، فالكويت من ألفها إلى يائها هي أنا ، ولكن ما أريد أن أنقله لكم هو درجة التشويه التي حلت بأمكم الكويت بسبب الممارسات السياسية المنحرفة التي زرعت جنينا سرطانيا داخلي فتغذى من نخاعي حتى أفرغه ، ثم عمد إلى محياي الجميل الذي طالما تغنيتم به فأحاله إلى مسخ يفزع الناس من مجرد النظر إليه ، لذا دعوني أبدأ من القمة. إلى ابني الأكبر صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظك الله ورعاك، أعلم بأن إخوانك وأبناءك أرهقوك وأتعبوك بخلافاتهم وتناحرهم ، ويعلم الله أني أتألم عندما أراك تتقلب في فراشك وقد جافاك النوم ، فلقد آثرت على نفسك رغم مشاغلك الكبيرة وخرجت إلى شعبك بخطاب أبوي سبقه خطابات لتعيد الأمور إلى نصابها ووضعها الصحيح ، فقد خرجت بصورة طبق الأصل عن وجهي الشاحب الحزين ، وإن تدخلك لتوحيد الصفوف في أكثر من مناسبة لهو دلالة واضحة على عقم حوار النخبة ، فلقد استمعت إلى خطابك باهتمام بالغ وشعرت بنبرة الألم تعتصر قلبك بسبب التناحر بين أبناء شعبك ما دفعني إلى أن أحتضنك وأربت على كتفك وأطمئنك بأنه مهما احتدم الاختلاف والخلاف بين أبنائك ستجدهم بالملمات صفا واحدا خلف رايتك ملبين طائعين ، فأعانك الله على حمل هذه الأمانة الشاقة وإتمامها على الوجه الذي يرضي رب العزة ، والإبحار في السفينة إلي واحة الاستقرار والأمان .
إلى أبنائي النواب بكل تأكيد لن تغيبوا عن الخطاب الأميري فقد أشار لكم الأمير إشارة صريحة، مغزاها أن الكويت وطن الجميع لا فضل لأحد إلا بمقدار ما قدم للوطن لا بمقدار ما أخذ ، أبنائي النواب ربما يظن ظان أني أميل لتيار دون الآخر حاشا وكلا فالكل عندي سواء ، فقبل أيام رأى الشعب كيف أن السلطات التنفيذية والقضائية قد اتخذت إجراءات صارمة حيال من حاول المساس بالوحدة الوطنية وتوعدت كل من نهج نهجهم وظل ضلالهم ، وبما أن المهمة عسيرة والعمل مضن ما يجبرني أن أفتح قوسا كبيرا لوضع حد لكل المواقف الملتبسة وذلك بعد أن حاول البعض نقض وجرف المعنى الأصلي للوحدة الوطنية الذي استقر في الدماء والعقول منذ نشأة الدولة ، وتم استبداله بمعنى جديد طارئ بكلمات مالحة * القبيلة والطائفة والعائلة والفئة * كأننا لا نعرف بعضنا ، ولعمري هذا أمر جلل ومصيبة كبرى..ولكن لا ضير فكل بلاد يجتاحها عزاء وهذا عزاء الكويت ، فإن التناقض الملحوظ من بعض النواب الذين يتفننون في استدعاء الغريب والعجيب من الكلمات الجارحة والخارجة بطريقة مقززة حتى بات من المألوف والمتعارف عليه أن لبعض النواب معجما خاصا بهم لا يشاركهم أحد فيه وهذا لا يجبي نفعا ولا يجذب أذنا ولا يغفر ذنبا بحجة التمترس خلف الحصانة البرلمانية ، فهذه الحصانة لا تغفر وزر التعسف باستخدام الأدوات الدستورية، والأدهى والأمر أن هناك طائفة من الشعب تعاقدت مع هؤلاء النواب بالباطن حتى انقسم الشعب نصفين ، هؤلاء النواب أفلحوا وبحق في لعب دور المعتدى عليهم وهم يسبحون في نهر الالتذاذ بالتعدي على الآخرين، ولكن هل نعتبر ما حصل من شحن وتعبئة للشارع تهويلا ومبالغة مدهشة أم أن الخطأ يظل خطأ ولا يبرر حجمه التراخي في تقويمه؟!
أبنائي النواب أظن أن فقه الأولويات كمبحث مهم جدا في التعاطي مع كل المسائل قد غاب عن السمع حتى اندثر ، لأنه فيما يبدو أن الانتصار للذات صار أولوية وهاجسا عند البعض منكم ، ويذكرنا بذلك العضو الموقر الذي أتى إلى مجلس الأمة وهو مقرر أن يترك كل هموم التنمية المتراكمة وأن يطرح مسألة الوحدة الوطنية للنقاش في الشارع ، ضاربا بالقوانين وهيبة الدولة عرض الحائط ، في هذا الشارع أهين من أهين ووقر من وقر ، وكل من لم يقسم، فهو شيطان رجيم بعد أن تم تكميم أفواه المعارضين، وإني أعلم أن هناك قضايا أشد إلحاحا وأكثر خدشا للمشاعر وإثارة للإزعاج كثيرا ما تملصت الحكومة من مواجهتها وغضت الطرف عن خنقها منذ البداية ، وأتفق معكم أن كثيرا ما أدهشتنا الحكومة في انتقائيتها ومزاجيتها حين سكتت عن مصائب كبرى كادت تعصف بالوطن ثم تأتي لتنفجر في وجه المواطن البسيط بحجة إزالة التعديات حتى أزيل الزرع والشجر… هذه واحدة من انتقائية الحكومة في المعالجة والإصلاح ولا أريد أن أسهب لأن مجرد الإشارة تغني عن الخوض في التفاصيل ، ولكن لا أحد يستطيع أن يلوم المنكرين على أصحاب النفوس الخبيثة الداعية للفرقة لتسود ، لأن هؤلاء المنكرين يتكلمون من منطلق مبدأ اللحمة الوطنية غاية الغايات ، فأرجوكم يا أبنائي أن تركبوا معهم موجة هذا المبدأ وتضعوا أيديكم بأيادي أصحاب العقول الحكيمة والذوق الوطني الرفيع ولتنادوا جميعا بإطلاق حملات مشابهة في شراستها وشموليتها لتلك الحملات الساعية لخنق الديموقراطية التي حاولت أن تنال من أمن واستقرار أمكم الكويت ، لأنه لا يصح يا أبنائي النواب أن تتربصوا بإخوانكم وتطالبونهم بلجم أفواههم وأنتم تسلون السيوف من أغمادها كلما عنَّ لكم التواصل مع الآخر بكلمات مالحة، فكل كلمة نلقيها لا نضمن حسن استيعاب متلقيها ، فالمحافظة على الخطوط الخلفية هي ما يميز اللاعب السياسي المحترف ، فحاولوا النظر للأولويات دون شغب وألعاب نارية.
إلى أبنائي الإعلاميين والكتاب تحديدا يعلم الله أني أحبكم جميعا وخصيتكم لعلمي بالكم الكبير من المشاهدين والقراء الحريصين على متابعة ما تطرحون وتكتبون ، وسأبدأ من الخيوط الأولى لبعض من وسائل الإعلام التي عَزف منها إيقاع الفُرقة نوتته النشاز ، بل ربما صب الإعلام برسالته زيتا زاد الحريق اشتعالا حتى هاجت الساحة المحلية وماجت وسال حبر المطابع وأرغى من أرغى وأزبد من أزبد من مؤيد ومعارض ، ولكن دعوني أصحح ما استطعت فربما أساعدكم في تغيير طريقة كتابة فروضكم الصحافية ، وأنا على يقين أنكم تعلمون أن للكتابة والنشر تأثيرا على العقول والنفوس وبالتالي التغير وشقلبة الآراء رأسا على عقب ، فالكتابة فن وأدب وحضارة بل خلاصة الحضارة ، وقد راهنت عليها أنا شخصيا وربحت الرهان ، وكلكم يعلم أن اسمي الكويت أصبح مضيئاً وعلمي خفاقا في المحافل الدولية وهذا لم يأت من فراغ بل من حكمة أبنائي حكام الكويت سابقين وحاليين ومن أبناء ذلك الزمن الطيب حفظهم الله ورعاهم وغفر لمن واراه الثرى، فقد انتشر في هذا الزمان أدعياء الوطنية وقد قرن بعض الأذكياء هذه الوطنية بتأييد هذا الفريق أو ذاك وما علموا بأنهم ساهموا بتغريب الوطنية عن قصد أو دونه، فقد كُشفت أستار الناس وأريقت الأعراض بسن الأقلام وسكين الإعلام ، فرفقا بي وبالشعب الكويتي ، فأنا أول من شجعكم على الكتابة على أوراقي وأول من حرض الزلزال داخلكم للنقد البناء وتجلية الحقائق دون مواربة أو خوف ، ولكن حافظوا ما أمكنكم على لجم أقلامكم من السباب والشتائم ، فدبابيسكم وطعناتكم واللمز والغمز كلها موجهة لي قبل أن توجه إلى إخوانكم الكويتيين، فقد تخطيتم الحدود الإقليمية في الكتابة الصحافية الوسطية المتوازنة وهربتم إلى شكل كتابي وإعلامي لا يشبهكم ، لذا لابد من غسل أقلامكم من دبق وصلة الشتم والفجور بالخصومة ، وهذا الخطاب بلا شك موجة لكل وسيلة إعلامية وكل كاتب تجاوز الخطوط الحمراء في الكتابة الصحافية وفجر فجورا صحافيا وحصريا لم يسبقه إليه أحد لكي يشار إليه في البنان بحجة أنه الأجرأ والقوي كتابيا ولعمري إنه السقوط الإعلامي والصحافي من علو ، فمن يسعى لجني ثمار الثناء والمديح *والنعم في فلان * في حياته وبعد مماته وهذا ما تحرصون عليه جميعا يعف لسانه ويلجم قلمه من السقط واللقط ، لذا أدعوكم لتنقية زواياكم والاستقالة من الصراخ والطيش والنزق والحماقة الصحافية.إلى أبنائي الشعب الوفي تعلمون أن الديموقراطية الكويتية من أكثر الديموقراطيات أريحية ورحمة، ففيها الحكم الرحيم وهذا التراحم موجود بالفطرة السليمة في أبنائي حكام الكويت والشعب الأصيل والذي حرصت على تنميته بكم من الجذور إلى الأغصان ، فلا تؤجروا عقولكم ولا تجعلوا من أنفسكم أدوات طيعة للآخرين يوجهونكم كيفما شاءوا ومتى شاءوا هذه وصيتي ، ولا يسعني في هذا المقام إلا أن أكبر الوقفة الموحدة للعقلاء بكافة أطيافهم حيال هذه الهجمة والانتكاسة الوطنية التي حاولت أن تفرق الجمع ولن تفلح ، وأتمنى أن تهبوا هبة واحدة أمام كل مظاهر القبح والشذوذ في التعدي على القانون وهيبة الدولة وحسن السير والسلوك ، فالحوار العقلاني الوطني الحر هو السبيل الوحيد للحفاظ على نسيج المجتمع متماسكا قويا، وبالشفافية والوضوح وتلاقح الأفكار والتلاقي في عشق الوطن هو السبيل لسد الثغرات، وعليكم مناقشة القضايا الجدلية تحت مظلة المصلحة الوطنية ، لذا أعتقد أن الوقت قد حان لمراجعة قاموس الولاء الوطني وإصدار طبعة منقحة منه يمنح كل كلمة وكل موقف المعنى الذي يستحقه من دون تعسف أو تأويل مخل يرهق من ألقاها ويضني من تلقاها ، وبعد هذه المرحلة من المراجعة والتنقيح فقط .. نستطيع أن ننتقل وبسهولة إلى تطهير البيت الكويتي من التلوث الديموقراطي خانق العقول والنفوس والذي يهون أمامه وبحق خنق الرقاب ، وكل عام وأنتم بخير ، وأحبوني كما أحبكم.