كتبت روابي البناي:
اليوم، الموضوع مختلف وخطير بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ولا يحتمل «القشمرة» اطلاقا نظرا لأهميته وخطورته لأنه يهدد مستقبل وكيان بلد بأكمله، فكثيرا ما أحس بأنه يجب أن أقف وقفة صادقة مع نفسي أراجع بها كل ما مر علينا من أحداث وأوضاع وصلنا إليها، بفعل ممارسة من يقدم القبيلة أو الطائفة أو الفئة على البلد، ومن يضعون مصالحهم الشخصية في المقام الأول، مهما كانت عواقب هذه المصالح وطريقة تحقيقها، او فئة عبدة الدينار الذين لا همَّ لهم سوى زيادة رصيدهم البنكي، مهما كانت طريقة جني هذه الأموال ومنهم تجار الإقامات وتجار المخدرات، أو من فئة «جزاك الله خيراً» الذين يتبعون مبدأ «روكع وسو اللي تبي»، الذين لا هم لهم سوى التطفل على خلق الله والتدخل في حرياتهم الشخصية والتهديد بتقديم استجوابات فاشلة في حال تعرض مصالحهم لخطر، فأحس بحال من الضياع والكدر (بكسر الكاف) على حالنا، وزادت هذه الحال هذه الأيام، فكلما سمعت عن حال وهوية مجلس الأمة المقبل وعن رغبة الكثير من الكويتيين بالعزوف عن التصويت، لأن هناك حالاً من الإحباط والملل طغت على الناس شعروا خلالها بالملل (ولوعة الجبد) التي وصل إليها البلد، سواء من توقف للتنمية او لتردي الاوضاع وطرق الحوار بين السلطتين، الأمر الذي يؤدي إلى ان يقف البلد على رجل واحدة و«ما يندري هل راح تتعب من الوقفة ولا راح تطيح وما تلقى من (ترتجي عليه)»؟!
الأمانة كبيرة
فالكلام كثر هذه الأيام من تخوف الإخوة والأخوات المرشحين لاعتلاء الكرسي الأخضر من حال اللامبالاة لدى الشعب الكويتي، والتي لمسوها من خلال تحركاتهم المكوكية هذه الأيام ولقاءاتهم بالدواوين او من خلال تجمع نسائي، او في الندوات العامة التي كثرت هذه الأيام، فأحس بأنه يلزمني ويتوجب عليّ ان اكون اكثر جدية وصراحة وشفافية. وأنا أتحدث معك عزيزي القارئ، يا من ستلقى عليك أمانة كبيرة تحدد من خلالها من سيمتلك داخل قبة البرلمان الكويتي، داخل بيت الدستور، داخل بيت التشريعات مما سيخدمنا جميعا ويجعلنا نرجع كما كنا نناطح وننافس في جميع الميادين، ويجعل سهم البورصة الكويتية (مشلل) فوق ودربه أخضر إن شاء الله.
مهاترات
أنا أتفق معك عزيزي القارئ (ألف في المائة) من أننا سئمنا المهاترات السخيفة، والدلع الذي اتخذه بعض اعضاء مجلس الأمة السابقين منهجا لهم، ولكن هذا لا يعني أننا نقاطع ولا نختار، فكون أن هناك سمكة خايسة لا يعني أن باجي السمك خايس، فيمكن أننا في المرة السابقة اخترنا (زوري مزدوج خايس) ولكن هذه المرة سنختار (هامور كويتي يلبط) يبرد الجبد، فالدعوة إلى الانتخابات تعني وجوب وإلزام لجميع الناخبين باختيار الافضل ممن يرضونه يمثلهم ويطالب بحقوقهم، ويكون همه الأول والأخير الكويت ثم الكويت وليست قبيلة أو مذهب او طائفة ويصوتون له، فمن المؤلم ان نسمع تصريحات يطلقها بعض من كانوا ينادون بالتفاؤل وعدم فقدان الأمل باستعادة كويت الماضي وبناء كويت جديدة، تدعو إلى اليأس والبأس والسلبية، فتنتابني نوبة غضب مختلطة بإكتئاب وحزن شديد لما وصلنا إليه من تخبط وفشل وخصوصا عندما تصدر مثل هذه التصريحات من عضو مجلس أمة سابق، الأمر الذي يوحي بفقدان الأمل في الإصلاح.
فيجب ان نفزع كلنا ككويتيين، وأضع ستين خطاً تحت كلمة كويتيين وليس طائفيين او مذهبيين او قبليين، وان نقف صفا واحدا لمحاربة الوجوه (الودره) ونمنعها من ان تدخل قبة عبدالله السالم ونعطي الكويت بارقة أمل جديدة، بدخول وجوه جديدة تملؤها الابتسامة والرغبة في العمل بصمت من دون كلام (وهذره) زايدة، ويملؤها الحماس ببناء كويت الغد كويت المستقبل الجميل لنا ولأبنائنا، فأنا أعلم بأننا قد لا نستطيع تغيير تركيبة المجلس بأكمله، ولكن يمكننا ان نحدث
تغييرا تدريجيا، وهو ما سيحدد مصيرنا، فعلينا الوقوف مع الالتزامات الوطنية الملقاة على عاتقنا، فالعزوف عن التصويت يوم الانتخاب سيكون مكسبا كبيرا للفئة السيئة ممن لا يهمهم سوى جر البلد الى مستنقع التأخر والأزمات، وبالتالي سيزداد البلد سوءا وتأخرا اذا لم نشارك في اختيار الأفضل والأحسن لنيل شرف عضوية مجلس الأمة الكويتي.
على المفترق
فلماذا نصدر الحكم قبل المداولة؟
ولماذا نستبق الأحداث؟
ولماذا نكون أول من يشذب وينتقد الآخرين على سلبية مواقفهم ونكون نحن الآن في موضع التحدي امام انفسنا ووطننا، وأمام الشعارات التي نؤمن بها ونتخوف من المحاولة، ونستبعد الايجابيات، ونقلل من ايماننا بقدرتنا على فرض اجندة التغيير، فالتغيير يأتي بالتطبيق والعمل والمحاولة والتعب.
فكفانا تكسيرا «بالمياديف» والتراشق بالعبارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فنحن على مفترق طرق والامتحان صعب والمخاض عسير، ولا أمل ولا عبارات جميلة تستطيع ان تغير من واقعنا المر.
ولكن أقصى ما قد يمكن فعله هو التشجيع، وتحفيز كل من لديه الرغبة الصادقة بأن يقدم شيئا جديدا في المجلس، ويتخذ خيارات تصب في مصلحة البلد، تجعلنا لا نحتاج الى «واسطة» لتعيين خريجينا، أو لا نضطر لإدخال فلذات أكبادنا مدارس خاصة لتعليمهم، ونطبق مبدأ « حط فلوسك بالشمس واقعد بالظلال» في حالة المرض وغيرها من الأمور السلبية التي لا حصر لها هذه الأيام.
فهل لدينا رغبة جادة في المحاولة من جديد؟ هل لدينا إصرار وعزيمة على أن نبين لمن لا يريدون لهذه المسيرة الديموقراطية التي يحسدنا عليها الكثير أن تستمر، ان الكويتي لا يكل ولا يمل؟ هل نحن الخطاوي الأكيدة؟ هل لا تزال الكويت نبع الوفا الصافي وحضننا الدافي؟
فأين نحن اليوم من الجيل الذي علمنا قيمة الصبر، ومعنى مواجهة المحن؟ لماذا أصاب بعضنا اليأس وفقدان الأمل بعد تصويته لمرتين أو ثلاث؟ أين رباطة جأشنا؟
فيا ابن بلدي؟
فيا كويتي وياللي تحب الكويت.. آباؤنا مروا بمراحل أشد وطأة على النفس مما مررنا به خلال شبابنا القصير، وما زالوا يحاولون ان يكبتوا وأن يساندونا، بالرغم من وجود جحافل شرسة تحاول ان تهدم الكيان الكويتي، لا أختلف معكم بأن المجلس المنحل أشبه بمدرسة مخرجاتها ضعيفة، فهل يعني هذا ان نقوم باغلاق المدارس ونجعل الأمية تتفشى في البلاد؟ فعلينا ان نغير من الداخل، وعلينا الا نجامل، وعلينا كسب احترام أنفسنا بأن نقف فوق الآلام ومسلسل الاحباط المستمر، لان من لا أمل لديه يفقد كل شيء.
أجدادنا حفروا الصخر، ومشوا حفاة، وظلوا محبين لهذا البلد مصرين على الحق، فمن نكون نحن لنيأس الآن؟ فنحن لا نملك حق اليأس لأننا كويتيون، فالتغيير الواجب والموقف الواضح والسيل الجارف من الوطنية وحب أصالة مكتسباتنا الشعبية لبناء جيل ممن كافحوا ليجعلوا كويتنا نعيما للجميع، شعار لا بد ان نضعه نصب أعيننا ونحن نذهب للاقتراع لاختيار من سيمثلنا داخل قاعة عبدالله السالم. فأرجوكم أرجوكم.. أرجوكم واسمحوا لي ان أصرخ بأعلى صوتي وأقول لكم: تكفون صوتوا للأفضل ولا تجعلونا نندم. فاليأس لحظة، ويمكن للحظة ان تضيع مستقبل حرياتنا وحقوقنا، فما لنا وما علينا متأصل بمسيرة ديموقراطية ممثلة بسمو الأمير ومجلسي الوزراء والأمة.
الكويت تستاهل رددناها كشعارات. والآن يأتي موعد اتخاذ القرار بالمشاركة لملء المقرات الانتخابية للمرشحين الذين نتأمل فيهم الخير لنثور على معسكر الاحباط، ونفجر صناديق الاقتراع بأصواتنا التي تنادي بوقف الاسفاف بالاختيار، وتنظيف المجلس من أشباه النواب الذين حطمتهم المصالح وجمعهم حب الذات، وظل من ظل من الأقلية الطيبة مكبل الأيدي مكتوم الأنفاس يصارع ويحاول ولكن اليد الواحدة لا تصفق، ويجب علينا ان نعينهم ليكونوا مجموعة وطنية قادرة على إعادة بصيص النور من بين الظلام.