كتبت روابي البناي:
جميل أن يشعر الانسان بالدفء في أبرد أيام الشتاء، وبأنغام سحرية رقيقة وحالمة وسط صخب الحياة اليومية وضجيجها، وما أجمل أن ترى المرأة نفسها ملكة متوجة على قلب وعقل رجل تجد فيه كل مواصفات فتى الأحلام المنتظر. فعلى الرغم من أن هذه المرأة ترى نفسها انسانة عادية جدا، سواء من الناحية الشكلية أو الثقافية أو الاجتماعية وما شابهها، تجدها تحظى باهتمام خاص من هذا الملك المنتظر، في حين أنها لا تجد هذا الاهتمام من أهلها وذويها. فهي تسمع من هذا الشخص الأحاديث الشجية التي تخترق وتذيب الحجر، في حين لا يلتفت الوالدان والأصدقاء سوى الى عيوبها ونقائصها. وفي ساعة الصفا التي تحب أن تبوح فيها بهمها وتبكي وتتكلم، تجده يسمعها بكل اهتمام وانصات في حين تجد والدتها مشغولة بالطهي أو بالزيارات وغيرها، هذا إن استمعت اليها أصلا، هذا غير عبارات الغزل والشوق والوله التي يطلقها هذا البطل الهيمان على مسامعها وتجعلها تعيش قصص «ألف ليلة وليلة» وخيالاتها، في الوقت الذي لا تسمع فيه من صديقاتها وعائلتها سوى عبارات اللوم والنقد والتوبيخ. فنجد هذه الفتاة تقع أسيرة هذا الشاب الذي يقول لها من بعد أول مكالمة هاتفية «أنا أشعر بشيء غريب تجاهك»، وبعد ثاني مكالمة يتطور الأمر فيقول «أنا أعزك»، والثالثة «أنا أحبك»، والرابعة «أنا لا أستطيع العيش بدونك» والخامسة «أنا أبي أشوفج».
ومن هذه الشرارة تبدأ رحلة العذاب. فالمسكينة لم تفكر لو لوهلة ما الذي يدفع هذا الشخص لأن يكرس وقته لها؟ وما الذي يجعله يردد على مسامعها عبارات الغزل والهيام؟ فهي تعتقد أنه أصبح اسير حبها وجمالها، لكن عندما نأتي إلى الواقع نجده ينتظر لتحقيق هدف اكبر من هذا، فهو ينتظر لإشباع غريزته الحيوانية من دون ان يضع لمشاعرها او آدميتها ادنى احترام.
أنا لا أنكر أن الحب أسمى معاني الحياة السعيدة، لكنه أصبح للأسف في وقتنا الحالي ذريعة يتخذها بعض الرجال للنصب على العذارى وخداعهن باسم الحب والزواج. فتجد الواحد منهم يوهم الفتاة بالحب ويجعلها تعيش قصص «ألف ليلة وليلة»، وبعدها يكشر عن أنيابه ويكشف هدفه الخبيث، كاستغلالها جنسيا أو ماديا أو حتى لأغراض أخرى، ويهددها ان لم تستجب لمآربه وغرائزه الدنيئة بأنه سوف يفضحها ويشوه سمعتها وسمعة أهلها.
فهذا الوحش الآدمي كالشيطان الذي يغري الإنسان بالكفر وارتكاب المعصية حتى يقع، وإذا وقع تخلى عنه وتبرأ منه. لهذا ندعو من خلال السطور القادمة كل البنات إلى توخي الحذر، فلا يجعلن من كرامتهن وإنسانيتهن مداسا لبعض المرتزقة من الرجال الذي يتخذون الحب ستارا لهم.
أولا: الأسطوانة المشروخة «أمي مو راضيه أخذج»
الحالة الأولى
لا يختلف اثنان على أن للمرأة قدرات خاصة في التفكير، فهناك نساء يستخدمن الجانب الأيسر من الدماغ في التفكير وأخريات يستخدمن الجانب الأيمن، وهنا يكمن الاختلاف، خاصة في مسألة اختيار فتى الأحلام وزوج المستقبل الذي تبدأ مرحلة البحث عنه منذ أن تطأ قدما الفتاة الجامعة أو الوظيفة الجديدة، من منطلق أنها سترى بنفسها الشخص الذي تحلم بمشاركته بقية حياتها، وتختار الذي يناسبها وتبني مستقبلها معه. وهذا الشيء لا غبار عليه لكون البنت صاحبة القرار الأول والأخير في اختيار شريك حياتها.
وطبعا تكون عملية الاختيار مرتبطة بعدة عوامل، تعتبرها بعض البنات من وجهة نظرهن مصيرية، يتصدرها الجاه والمال، فتبدأ احداهن مرحلة البحث عن فارس الأحلام المنتظر ذي الصيت والجاه والعائلة المعروفة التي لها ثقل في المجتمع. وعندما تجده تبدأ المرحلة الثانية وهي كيفية إيقاعه في شباكها حتى يصل معها إلى مرحلة الحب والهيام، وبالتالي لا يقدر على فراقها ويتم المطلوب وهو الزواج.
لكن ما كل ما يتمناه المرء يدركه، فهذه الفتاة تضيع أحلامها وخططها سدى بعد أن تمضي بها الأيام والسنون مع هذا الشاب الغني ولد العائلة الكبيرة، وهي تستمع فقط لكلامه المعسول واهتمامه التمثيلي بها، ولكن ما ان تفاتحه بموضوع الزواج حتى يتهرب منها ويختلق لها الأعذار. وعندما يجدها مصرة على طلبها، وأمام إلحاحها لا حيلة له سوى أن يقذفها بالقنبلة الموقوتة، وهي أن والدته لا ترضى بأن يتزوجها لكونها من عائلة أقل منه في المستوى الاجتماعي والمادي والثقافي، وأن أمه تريده لبنت فلان الفلاني الذي تربطه بوالده مصالح وشراكة.
وهنا تضرب هذه الفتاة كفا بكف على حظها العاثر الذي منعها من الاقتران بابن عائلة معروفة وغنية، وتصبح أسيرة غرفتها تمضي وقتها في البكاء وسماع أغاني عبد الحليم حافظ، وتندب حظها على سنوات عمرها التي مضت والتضحيات التي بذلتها من أجل هذا الشاب.
لكن بعد أن تنظر إلى وجهها في المرآة، وتدقق في علامات الزمن التي بدأت تظهر عليه، تعرف أن عليها الخروج من الماضي والاطلال، فتبدأ هنا المرحلة الثانية من حياتها، وهي البحث عن أي رجل للارتباط به، لكون العمر تقدم بها، ولا تريد أن تحمل لقب عانس.
ولإيمانها التام بمقولة «ظل راجل ولا ظل حيطة»، مع أن الحيطة هذه الأيام أفضل بكثير جدا من أشباه الرجال، تقوم بتطبيق مبدأ «العوض ولا القطيعة»، وتلتفت إلى الخط الثاني من الرجال الذي هو «طرق المعاش»، وتجدها ترضى بأي شيء يقدمه لها هذا الرجل.
فعندما تقول له «أنا أحبك ولا أستطيع العيش بدونك» يكون في قمة سعادته لأنه يبحث عن زوجة يكمل معها نصف دينه، لكن بسبب ظروفه الاقتصادية والمعيشية الصعبة لا يستطيع تحقيق ذلك.
لكن الوضع هنا مختلف، فهذه الفتاة راضية بكل شيء فيه وسوف تساعده حتى بمصروف البيت (فهي تشتري ريال).
يقول لها: «أنا ساكن في بيت حكومة»، فتجيبه: «راح يكون قصر بالضاحية وأنت فيه حبيبي».
ويقول لها: «لا أستطيع أن أسفرج بالصيف»، فتجيبه: «الخيران معاك أشوفه الشانزليزيه الفرنسي».
يقول لها: «حتى الخيران صار غالي ماقدر عليه»، تقول له: «فيلكا ما فيها شي.. المهم انا معاك بأي مكان يصير جنة».
يقول لها: «أمي وأبوي أنا ملزم بأن أدفع لهما كل شهر مصروف»، تجيبه: «إذا ما فيك خير بوالدينك ما فيك خير فيني».
يقول لها: «مهرج 4000 مع الشبكة والدبلة وكل شيء»، تقول له: «نعمة والحمد لله»… طبعا لو كان هذا الكلام قبل لا يصك عمرها 29 كان سيكون العكس تماما، لكن للظروف والسن أحكام خاصة.
الحالة الثانية
هذه الحالة تتعلق بالرجال الذين يتعلقون بأماتهم وكأنهم أطفال بالروضة لا شخصية لهم، هم الذين يعلقون بنات الناس معهم ويربطون مصيرهن بهم. فتجد هذا النوع من الرجال يوهم البنت بأنه يحبها ويموت فيها، ويمارس كل رجولته عليها، فتجده يمنعها من الخروج ويفرض عليها ساعات ذهابها وإيابها، ومع من تخرج وإلى أين؟ ويتحكم في بعض الأحيان حتى في راتبها الشهري لكونه مسؤولا عنها، ناهيك عن الحصار الجوي البحري البري الذي يفرضه عليها في جامعتها أو عملها ومراقبته لها وللبسها.
وطبعا هذه الفتاة مسكينة تشعر بأنها تملك الدنيا بين يديها لكون أن هناك شخصا وسيما، يعتبر مطلبا لكل بنت، يحبها ويهتم بها ويغار عليها، فتربط نفسها به سنينا وسنينا وهي تحلم باليوم الذي ترتدي فيه الفستان الأبيض ويكون بجانبها هذا الفارس الذي طالما طل عليها في أحلامها وأخذها إلى عالم آخر.
لكنها تصطدم بالواقع المر عندما تقول لهذا الفارس ان أحدهم تقدم لخطبتها وأن أهلها موافقين عليه ويضغطون عليها للموافقة، لأن هذا الخطيب لا تشوبه شائبة، وأن عليه أن يتقدم بخطوة ايجابية تحمي حبهما. فيعدها بأنه سوف يصارح والدته برغبته في الزواج بها لأنه لا يستطيع الحياة من دونها.
وتأتي الفاجعة عندما يقول لها بكل برود بعد يومين: «أمي مو راضيه أخذج.. تقولي ما تاخذ وحدة تكلمها بالتلفون وطالع معاها، أنا راح أخطبلك وحدة على ذوقي، مال وجمال ودلال وبنت عايلة ما عندها هالسوالف البطالية مثل اللي انت يايني تبيها، هذي لو فيها خير جان ماتكلمت معاك بالتلفون وطلعت معاك، هذي شلون تأمنها على بيتك؟ وشلون تأمن فيها تصير أم إعيالك؟».
ويستطرد هذا الفارس قائلا لهذه الفتاة المسكينة: «تدرين أنا ما أقدر أزعل أمي، ورضا الله من رضا الوالدين. لازم ننهي علاقتنا وكل واحد يروح من طريجه أحسن».
وبعد هذه الاسطوانة المشروخة التي يتبعها بعض الشباب لإنهاء علاقاتهم النسائية بعد شعورهم بالملل، تجد هذه الفتاة إما ملقاة على أحد أسرَّة المستشفى الأميري بعد أن تم عمل غسل معدة لها لمحاولتها الانتحار على طريقة الفنانة ماجدة الصباحي في فيلم «المراهقات» أو الراحلة سعاد حسني، بعد أن شربت ديتول أو كلوركس، أو تكون لها ردة فعل عكسية انتقامية، فتجدها تقيم عدة علاقات في الوقت نفسه لكي تثبت لنفسها أنها مرغوبة، وأنها تنتقم من هذا الفارس الذي نسيها وتزوج من اختارتها له والدته، وهنا تكمن الطامة الكبرى فهي لا تعلم أنها الخاسر الأكبر في هذه اللعبة الفاشلة.
لكن السؤال هنا للأم: هل أنت على يقين أيتها الأم من أن الفتاة التي ستخطبينها لابنك لم يسبق لها اقامة علاقة غرامية مع أحد من قبل؟ هل أنت واثقة بأخلاقها وخط سيرها؟ أم أن العزة أخذتك بالإثم لكون أن ابنك جاءك بكل صراحة وقال لك أنه يرغب في الزواج ممن اختارها قلبه وعقله. فأنا من وجهة نظري ان هذه الفتاة التي ارتبط بها بعلاقة حب لمدة سنة وأكثر هي الأنسب له لكونه يعرف خط سيرها وطبائعها وشعورها وأخلاقها؟ أحسن بكثير ممن ستقومين بتزويجه إياها وأنت لا تعرفين عنها شيئا.
ثانيا: ولهان عليج أبي أشوفج بمكان خاص
كما ذكرت آنفا ان الفتاة عاطفية بطبيعتها، فما ان تسمع كلمة حلوة تدغدغ مشاعرها أو عبارة غزل تسجل بحقها، حتى يرتفع هرمون الانوثة لديها فلا ترى سوى بعين مطلق هذه العبارات الذي سيطر على جميع حواسها. وهذه هي المصيبة الكبرى، فهي لا ترفض له طلبا مهما كان لكونها تحبه وتثق بأنه يحبها وسوف سيتقدم لخطبتها، فتجد نصاب الغرام الذي يدغدغ مشاعرها ومشاعر العشرات غيرها يظهر لها خوفه وحبه عليها ويقول لها: «حبيتي ولهان عليج، وأبي اشوفج».
هنا تتراقص عينا هذه الفتاة من الفرح والسرور لكونها سوف تكحل ناظرها بمشاهدة حبيبها، فيبدأ مسلسل النصب عليها قائلا: «حبيبتي أنا اخاف عليج ومابي احد يشوفج غيري»، أو «أبي أقعد معاج بمكان هادي نتفاهم على حياتنا المستقبلية». وطبعا هذا المكان لا يتعدى شقة أو شاليه أو ملحق بيتهم في حالة إن كان أهله مسافرين. وتذهب هذه الفتاة التي أعماها الحب والهيام بهذا النصاب اليه من دون أدنى إحساس بالمسؤولية تجاه نفسها واسمها واسم عائلتها وثقتهم بها، فتدخل هذا المكان بمحض ارادتها، وتعطي هذا الوحش الأدمي أعز ما تملك، أيضا بكامل إرادتها، لكونها تحبه ولا تبخل عليه بشيء.
لكن بعد أن يقع الفأس في الرأس (وتذهب السكرة وتأتي الفكرة)، يبدأ النصاب مرحلة الخلاص المبكر من هذه الفتاة بعد أن أخذ كل ما يريده منها، سواء أكان إشباعا جنسيا وغريزيا أم حتى إشباعا ماديا، فبعضهم لا يكفيه أنه اشبع غريزته الجنسية بها، فينصب عليها ويأخذ راتبها الشهري بعد أن يخدعها بعبارات يرددها على كل ضحاياه مثل «سيارتي اندعمت»، «أبي أدخل مشروع وأبوي زعلان مني ومايبي يمولني»، «عليَّ شيك حق واحد وما عندي أعطيه وإذا ما سددت راح يقدم الشيك للنيابة»، «أبي أدخل البورصة علشان لما اتقدم لج أكون كفو جدام أهلج وما أخلي عليج قاصر»، والكثير من العبارات التي تصدقها هذه المغفلة فتعطيه راتبها شهريا، أو تأخذ قرضا من البنك وتقدمه له على صحن من فضة.
وآخر المطاف يصفعها بقوله انه ليس مجنونا حتى يتزوج واحدة رخصت نفسها وسمعة أهلها بسهولة، ورضيت بأن تدخل شققا أو شاليهات معه وتعطيه كل ما يريد، فهي ليست كفئا للزواج ولأن تحمل اسمه وسمعته.
هذه بعض المشاهدات التي تحصل وللأسف بشكل يومي في مجتمعنا والتي تكون ضحاياها العديد من البنات اللاتي انضحك عليهن باسم الحب والزواج، ولكن أنا لا ألوم الشاب فالبنت هي التي ذهبت له بمحض إرادتها. أنا لست ضد الحب، بل على العكس اؤيد بشدة أن تتعرف الفتاة على الشاب الذي تريد الاقتران به قبل الزواج، لكن بحدود وبأصول لا تتعدى أن تتعرف على شخصه وأسلوبه وتفكيره وليس الذهاب معه الى شقة وتسليمه كل ما يريد، فأنت قبل أن تفكري بملذاتك وبمشاعرك وحبيبك النصاب، فكري بوالدتك المسكينة التي وضعت ثقتها بك، وفكري بوالدك كيف سيواجه معشر الرجال بعد أن يفتضح مصير ابنته؟ وفكري بأخوك وأختك وسمعة عائلتك وشرفك الذي أرخصت فيه باسم الحب، فالحب أسمى من غريزة جنسية تنتهي بعد لقاء لا يدوم ساعة. ولكوني على يقين بأن من يحب لا يطلب منك هذه الأمور والذي يحبك سوف يحافظ عليك أكثر من نفسك، ولذلك أتمنى أن تحسنَّ الاختيار وأن تقتنعن بشيء واحد وهو «النصيب». والذي يحبك سوف يعرف القنوات الصحيحة للوصول الى قلبك وعقلك والفوز بقربك.
كما أحب أن أوجه كلمة وأريدها أن تدوي في أذني كل شاب أخذ من شرف بنات الناس وسمعتهن هواية وتسلية له، «خاف الله» فكما تدين تدان، ففي الوقت الذي سوف تقوم باستدراج هذه الفتاة الى شقتك أو شاليهك تأكد من أن أختك سوف يقوم أحدهم باستدراجها يوما من الأيام وسوف يفعل بها كما تفعل أنت ببنات الناس اللواتي أوهمتهنَّ بحبك لهنَّ.