كتبت روابي البناي:
في البداية أود أن أتحمد بالسلامة لكل الطيور المهاجرة التي بدأت بالتوافد إلى أرض الوطن بعد الإجازة الصيفية، وفي الوقت نفسه أحب أن أهنئ القراء الأبطال الصامدين الذين لم يغادروا أرض الوطن العزيز، وأثبتوا بكل جدارة قدرتهم على تحمل المشاق والصبر على الشدائد، وذلك لصمودهم بحرارة الكويت المميزة وغبارها الفريد وتصريحات أعضاء مجلسها الفلتة.
موضوع اليوم عزيزي القارئ يدعونا جميعا إلى التمعن والتفكير في تصرفات بعض ضعاف النفوس الذين طغت المادة على تفكيرهم وكيانهم، بل حتى على علاقتهم بدينهم، وكيف بدأوا بأخذ الدين ستارا للتكسب السريع وملء حساباتهم البنكية.
وحتى لا أطيل عليك عزيزي القارئ، ابق معي في رحلتي مع صالون «أم براء الإسلامي»، وفي النهاية أنت الحكم الأول والأخير على هذه الشرذمة التي أدعو الله سبحانه وتعالى، ونحن في هذه الأيام المباركة ومع اقتراب شهر رمضان الكريم، بأن «يفكنا» منها، ويمحوها عن بكرة أبيها، آمين يا رب العالمين.
لفتت نظري احدى الأخوات المتدينات، كما يبدو من مظهرها وذلك لما ترتديه من قفاز وجوارب ونقاب وعباءة فضفاضة، وهي تضع على السيارات الموجودة في مواقف الأفينيوز نشرات إعلانية صغيرة، وبين كل لحظة وأخرى تختلس النظر إلى رجل الأمن المتواجد في الموقف، خوفا من أن يعاقبها أو يمنعها من هذا التصرف الغريب. مع أن من يشاهد هذه السيدة المنقبة، لا يشك لو لوهلة واحدة أن يصدر منها أي تصرف لا يمت إلى الخير بصلة.
جلست أراقب الوضع عن كثب حتى ذهبت بعيدا عن حدود نظري، فنزلت لأخذ النشرة التي وضعتها على احدى السيارات القريبة مني. وشدني ما جاء فيها، لأنه ينم عن وجود عصابات متخصصة بالنصب والاحتيال، أخذت من الدين الإسلامي ستارا لها ولأفعالها الدنيئة للتكسب المادي السريع. فإليك عزيزي القارئ ما هو مدون على هذه النشرة: «صالون أم البراء للتجميل.. نحن نزينك حسب تعاليم الشريعة الإسلامية.. كوني الأجمل بلا خوف من النار»، وأخيرا الجملة القنبلة التي قصمت ظهر البعير «ارضي زوجك وربك معنا»، وأخيرا جملة «اتصلي جزاك الله خيرا قبل فوات الأوان»..
طبعا لم أصدق خبرا، واتصلت على الفور بالرقم المدون أسفل النشرة. وردت عليّ إحداهن قائلة: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.. صالون أم البراء الإسلامي يرحب بكم.. تفضلي جزاك الله خيرا.
وبعد هذه الاسطوانة الطويلة أخبرتها برغبتي في إرضاء ربي وأن أتجمل وفق تعاليم الإسلام حتى أضمن الجنة، فقالت بكل ثقة: «جزاك الله خيرا أختي وحياك في عالمنا الجميل».
حشد نسائي وأناشيد دينية
أخذت عنوان الصالون الإسلامي، وحددت موعدا لتجميل نفسي من دون ذنب. وفي الموعد المحدد ذهبت، ففوجئت بأن هذا الصالون ما هو إلا جزء من منزل سكني أجريت عليه ديكورات تكلفت كثيرا كما لاحظت، وتم تجهيزه بأحدث الأدوات والمستحضرات التجميلية، وتم تشغيل الأناشيد الدينية فيه بصوت عال إلى درجة اختراقها لطبلة الأذن الوسطى، وكان يعج بالزبونات الراغبات بإرضاء ربهن وأزواجهن وضمان الجنة وفق زعم أصحاب الصالون.
رحبت بي موظفة الاستقبال، التي كانت ترتدي البنجابي الإسلامي، بكل حرارة وقالت: «حياج الله أختي.. هل عندج موعد»؟ فأجبتها بأن موعدي الساعة الثالثة. قالت بعد أن دققت في كشف المواعيد: «أهلا بك أخت روابي، تفضلي بالجلوس، وإنشاء الله راح تكون أم البراء بنفسها عندج علشان تشوف طلباتج».
فتاوى على الجدران
سعدت كثيرا كون صاحبة العمل تباشر زبائنها بنفسها وترى طلباتهن حتى تأخذ الأجر جزاها الله خيرا. وجلست أنتظر دوري وأتأمل المكان، فلفتت نظري الأحاديث والفتاوى المعلقة على جدران الصالون. فعلى الحائط الأيمن علقت فتوى تم تكبيرها بشكل ملحوظ تنص على تحريم النمص، وأخرى للمائلات رؤوسهن، وأخرى للصبغة السوداء، ثم لوحة تبين تحريم عورة المرأة على المرأة.
وأثناء تأملي لهذه الفتاوى جاءتني سيدة أنيقة في أواخر العقد الثالث من عمرها، وقالت: «أهلا بك.. تفضلي كيف يمكننا خدمتج»؟
فأجبتها بعد أن قرأت كل هذه الفتاوى: لا يمكنكم خدمتي لأنكم لا تقدمون هذه الخدمات التي تخالف الشريعة الإسلامية.
ابتسمت ابتسامة صفراء تنم عن عدم ارتياحها لمجرى الحديث، فبادرتها بسؤال قائلة: هل تطبقن هذه الفتاوى بالفعل؟
أجابت ضاحكة: طبعا.
قلت: كيف؟ ستغلقين الصالون إذن.
فقالت: لا أبدا فأنت ترين بنفسك كثرة النساء الراغبات بالتزين وفق تقاليد الإسلام، والأمر أبسط مما تتصورين أختي لأن الدين والحمد لله دين يسر وليس عسر.
تجميل الحواجب وفتوى النمص
قلت لها: لو أردت أن أجمل حواجبي، فكيف ستخدمونني وأنتم تطبقون الفتوى الخاصة بالنمص؟
أجابت: تفضلي معي.
وتوجهنا إلى احدى الغرف الخاصة بتجميل الحواجب، وعرفتني على احدى العاملات، وأشادت بها قائلة: عاملاتي ماهرات، فنحن مثلا لا ننمص بالملقط أبدا بل بالخيط، وما تبقى من شعر نصبغه بلون الجلد.
قلت لها والدهشة تملأ وجهي جراء ما أسمعه: ولكن اعذريني، فأنا لست ضليعة بالفتاوى والتشريعات الإسلامية، ولكن هل الفتوى تحرم النمص على الملقط فقط؟.. والصبغة السوداء وقص الشعر؟
سكتت ولم تجبني، فتابعت أسئلتي لها: وماذا بخصوص الصبغة السوداء، فأنتم تعلقون فتوى تحرم وضع الصبغة السوداء، فماذا تفعلون بالزبونة التي ترغب بصبغ شعرها بالأسود؟
قالت: كلامك صحيح أختي بأن هناك فتاوى تحرم الصبغة السوداء، لكننا نقوم بإدخال خصل حمراء خفيفة عليها، ونقنع الزبونة بأنها ستصبح أكثر جاذبية. كما أن هناك فتاوى تحرم الصبغة السوداء للنساء الكبيرات بالسن، أما الشابات فلا حرج عليهن إن وضعناها.
قاطعتها قائلة: أرجو المعذرة عزيزتي أم البراء، فأنا أؤكد لك أن هذه المعلومات القيمة أسمعها لأول مرة في حياتي، وأنا ممتنة لك على هذه التفاصيل.
وبينما أنا أتحدث معها قاطعتنا إحدى العاملات المتخصصات بالشعر تريد استشارتها في طول قصة الشعر لإحدى الزبونات، هل هي مناسبة أم فيها تشبه بالرجال؟ فقلت لها: وماذا عن قص الشعر؟
أجابتني بكل ثقة: لا حرج في القص ما لم يقص الشعر بدرجة تكشف الرقبة كاملة. ونحن نستطيع أن نقص الشعر بمحاذاة الرقبة ويتم قياس هذا الطول حتى لا تقع الزبونة في المحظور الذي يغضب رب العالمين منها، فنحن نريد أن نيسر على الزبائن ونساعدهن للتزين وفق الشريعة الإسلامية.
لباس يستر العورة
ثم سألتني عن الخدمات التي أريدها، فقلت لها: أريد عمل رسم بالحنة على رجلي.
قالت: لدينا.. لكن هناك رسومات معينة. نستطيع أن نرسم لك مناظر طبيعية أو زهور، لكن لا يجوز رسم حيوانات أو أحرف لأن هذا يتنافى مع تعاليم الإسلام.
وقلت لها: وماذا عن باقي الأمور التي تتطلب أن أكشف عن رجلي ويدي، فأنتم تعلقون فتوى تحرم عورة المرأة للمرأة؟
فقالت: لا تخافي يا أختي، فنحن نضمن لك كل شيء يساعدك على إرضاء رب العالمين، فنحن نبيع لباسا إسلاميا يستر العورة أثناء قيامك بعملية التنظيف المطلوبة، وتستطيعين أخذه معك بعد انتهائك أو تركه هنا للمرة المقبلة.
فقلت لها: أشكرك جزيل الشكر أخت أم البراء على هذه المعلومات القيمة التي أفدتني بها، واطلعتني عليها، حيث كنت أجهلها.
وأخيرا عزيزي القارئ أدركت أن هناك أناسا للأسف يقومون بالتحايل على الدين وعلى الفتاوى التي تظهر علينا كل يوم من خلال متسلقي الدين الذين لا شغلة لهم ولا عمل سوى الظهور الإعلامي في القنوات المختلفة والإفتاء. والأمر الذي يكدر الخاطر أكثر أن هناك الكثير الكثير ممن يسهل الاستخفاف بعقولهم وقلوبهم تحت شعار الدين وإرضاء الرب ودخول الجنة. فأنا رأيت ان ما يقوم به هؤلاء الناس المتأسملون أو النصابون من اتباع لأساليب تسويقية متقنة يباع من خلالها الدين لأولئك الباحثين عنه والجاهلين بتفاصيله الدقيقة بعد أن ضيعوه في الأمور الكبرى.. جريمة كبرى لابد من الالتفات إليها وصدها مهما كبر حجم مقترفيها وكيانهم.
آخر الكلام
?Why men love bitches
عنوان لكتاب إنجليزي قمة بالروعة وله جزء ثان معنون ?why men marry bitches أنصح كل أمرأة متزوجة أو مقبلة على الزواج بقراءته، لأنه مفيد فعلا، ويساهم بشكل كبير في الحد من حالات الطلاق المتفشي في البلاد هذه الأيام، والذي بدأ يناطح أرقام أعداد ضحايا انفلونزا الخنازير. فهذا الكتاب يتطرق إلى الأساليب المتنوعة التي يجب على المرأة اتباعها مع الرجل لكي تنجح علاقتها معه وتضمن حياة زوجية سعيدة.
وأنا أشيد بكاتبة الكتاب على اختيارها هذا العنوان المثير الذي يجعل القارئ ينشد لكل حرف دون داخل هذا الكتاب، علما بأنه بعيد كل البعد عن الإسفاف. لكن على كل من تريد اقتناء هذا الكتاب أن تطلبه من الإنترنت، أو تسافر خارج الكويت لإحضاره لأنه ممنوع من دخول الكويت طبعا، والسبب عنوانه السافر الذي يساهم في انتشار الرذيلة والفسق والفجور على حد قول جماعة «جزاك الله خيرا»، فهم أول ناس أنصحهم بقراءة هذا الكتاب، هذا إن لم يكونوا قرأوه واستفادوا من المعلومات المدونة فيه وحرموه على غيرهم.
لا أدري متى سيفتح الله علينا ويقينا شر هذه النفوس المريضة التي بدأت تنخر في جسد مجتمعنا الكويتي؟