كتبت روابي البناي:
اليوم هو تاسع أيام الشهر الفضيل، يعني بعد خمسة أيام تبدأ «خبة» القرقيعان واستعراض الفناتق التي تم التجهيز لها منذ رمضان المنصرم، وإن شاء الله سنتكلم عن فناتق القرقيعان والمغالاة التي تتبارى بها بعض الأسر حتى يسجل اسمها في موسوعة «غينيس». لكنني سأتكلم اليوم عن بعض المشاهد التي يخجل الفرد من وجودها في المجتمع لأنها مضحكة ومقرفة في الوقت نفسه و«تلوع الجبد»، وهي مناظر بعض البنات والشباب، الله يهداهم، الذين لا يردهم رمضان ولا احترام لروحانية هذا الشهر ولا شيء، وللأسف انهم يسيئون الى الآخرين بتصرفاتهم اللاواعية التي يسلكونها في الشوارع والمجمعات وحتى في مقار عملهم.
لكن ماذا عسانا أن نقول (آه من بطني وآه من ظهري)، فهم للأسف محسوبين علينا ككويتيين وتصرفاتهم تمثل شباب الكويت وبناتها. لكنني على يقين من أنه في الأخير لا يصح إلا الصحيح. وهذه الفئة الشاذة لا تمثل جميع شباب الكويت وبناتها، فهي لا تمثل إلا نفسها والبيئة التي ترعرعت فيها. والآن دعونا نبدأ رحلة المشاهدات المضحكة التي باتت فرضا يوميا على مرتادي شوارع الكويت ومجمعاتها.
المشهد الأول:
تفرفر الجمعيات
كتب الكثير عن زحمة الجمعيات والأسواق المركزية أيام الشهر الفضيل وتسابق الناس غير الطبيعي على شراء السلع الغذائية من دون مبرر، كأن الأكل سينتهي من الدنيا وتحدث مجاعة لا يمكن السيطرة عليها. وإليكم بعض المشاهد التي سجلتها عند دخولي إحدى الجمعيات عصر أمس الأول:
خرجت من مقر عملي في تمام الساعة الثانية والنصف عصرا، وكانت صورة الدونت اللذيذة المنتفخة والهشة التي تذوب بالفم لا تفارق عيني وعقلي وتفكيري، فوجدت السيارة تتوجه بشكل ذاتي إلى مقر إحدى الجمعيات، وتدخل مواقفها التي امتلأت عن بكرة أبيها بالسيارات التي تبحث عن موقف. وبعد مرور نصف ساعة جاءني الفرج ووجدت موقفا، فتهللت أساريري لكوني سوف أنزل وأختار ما لذ وطاب من أصناف الدونت اللذيذ الذي سأفترسه بعد الفطور، ولن أسمح لأحد بمد يده عليه.
وما ان دخلت الجمعية حتى هالني المنظر المروع الذي رأيت، فتذكرت على الفور أغنية المطرب الشعبي أحمد عدوية «زحمة يا دنيا زحمة زحمة وتاهو الحبايب.. زحمة ولا عدش رحمه مولد وصحبه غايب». توقعت أن يكون هناك خبر بمنع التجول في الكويت، أو انه ستعلن حالة الطوارئ القصوى بسب هروب أحد المصابين بانفلونزا الخنازير من المستشفى، أو ربما يوجد رجل خير يقوم بتوزيع زكاته داخل الجمعية. ولكن بعد التدقيق والتمحيص اكتشفت أن هناك عرضا هائلا على زجاجات الفيمتو والبيذان، علاوة على العروض الرمضانية التي جننت الناس.
هنا تنفست الصعداء وهدأ بالي، ووقفت أنتقي ما أشتهي من الدونت اللذيذ.
وبينما أنا أنتظر علبة الدونت، وقفت بجانبي إحدى أعضاء حزب «حجاب بوقذلة وتنوره قصيرة»، وأخذت تملي طلبها على موظف المحل. وطبعا كما تعلم عزيزي القارئ اننا في رمضان، ونحاول قدر الامكان أن نغض النظر ولا نتكلم ولا ننتقد، وذلك تقربا من الله سبحانه وتعالى وطمعا بأخذ الأجر. لكن هناك مواقف ومناظر لا يمكن أن نغض النظر عنها، وهذه الفتاة تندرج ضمنها.
فهي كما قلت لكم من حزب «حجاب بوقذلة وتنوره قصيرة»، وهذا الحزب لمن لا يعرفه هو من يقدس بضمير تي شرتات البولو التقليد ويدمجها مع بعض ويلبس التنانير القصيرة ويجلد بقية الجسد ببنطلون ضيق بلون محايد، وعادة ما يكون غامقا، وتكتمل الأناقة عنده بلبس الجوارب الملونة الطويلة، وطبعا القذلة خارج الحجاب ويجب ان تكون شقراء. وبينما هي واقفة كانت تسرق النظرات يمينا وشمالا، وتقذف بابتسامة خجلى. ظننت في البداية أنها تبتسم لي فبادلتها الابتسامة على غرار أن الابتسامة بوجه أخيك صدقة، ونحن بحاجة الى الصدقات والأجر في هذا الشهر الفضيل.
لكن خاب ظني عندما لمحت أحدهم يختبئ خلف كراتين الفيمتو ويبادل أم قذلة الابتسامة ويؤشر لها بجهاز التلفون، وهي ترد عليه بالإشارة نفسها، التي تحرك بعدها نحوها ودار بينهما هذا الحديث:
– «مبارك عليج الشهر شنو pin مالج»؟
ردت عليه بكل رقة ودلع: «علينا وعليك».
وأعطته رقم pin الذي طلبه. فقال لها: «خلاص راح أضيفج عندي.. واسمي مشاري».
فقالت: «أوكي بس تدري الحين صيام ما راح أكلمك إلا ورا الفطور تدري حرام».
فرد هو بكل صرامة: «أكيد أكيد خلاص أنطرج وراء الفطور».
أخذت «أم قذيلة» طلبها كأن شيئا لم يكن، وذهبت الى حال سبيلها بعد أن أضافت مشاري في اللستة.
وقبل أن أخرج من الجمعية اتصلت بي «كوماري» التي ما ان يظهر رقمها على شاشة تلفوني حتى تصيبني حالة إعياء شديدة من صوتها الجهوري وطلباتها التي لا تنتهي، لكنني لا أتجرأ أن لا أرد على «المعزبة كوماري»، فرددت بكل رحابة صدر. وقالت لي بالحرف الواحد: «مدام ماكو جبن أبيض علشان سلطة، مدام ماكو توست أسمر، مدام ماكو لبن»، وأغلقت السماعة بعد أن أعطتني الأوامر كافة التي عليّ إحضارها.
حمدت ربي أنني كنت داخل الجمعية، فتوجهت إلى ركن الأجبان الذي كان يكتظ أيضا بالناس، ووقفت أعطي طلبي لعامل الركن الذي طلب مني الانتظار الى حين الانتهاء من طلب الأخت التي قبلي، والتي كانت تتحدث بالهاتف بصوت جهوري ولا صوت عودة المهنا بزمانها، الله يرحمها.
وهذه الأخت تندرج في حزب «الطاووس والجمل» الذي تشتهر عضواته بحجاب بوتفخة وألوان الطاووس على الجفن والاستعانة برموش الجمل حتى تكتمل الصورة الجمالية من وجهة نظرهن، وطبعا العباية الطويلة التي تخدم البيئة وتنظفها من الشوائب. وتشتهر عضوات هذا الحزب أيضا بهوسهن بمشاهدة قلطة الوطن وبرنامج شاعر المليون. هذه الأخت الطاووسية سببت تعطيلي وتعطيل الآخرين بسبب انشغالها بمحادثة صديقتها بالهاتف، لأنها لم تعط طلبها كاملا للعامل وهو في حيرة من أمره لا يستطيع أن يطوفها ويأخذ طلبي لأن شكلها «نسرة» راح تقلب مواعين الجبن واللبنة وفوقهم الطرشي والزيتون على رأسه ورأسي، وكل ما طلع بيده أن يطلب مني ومن الآخرين الصبر حتى تنتهي «أم تفخة» من مكالمتها.
المشهد الثاني:
شارع الحب.. وممشى الضاحية
تحدثت من قبل عن شارع الحب الذي لا توجد فيه أي سمة من سمات الحب والعاطفة، فأنا لا أرى فيه إلا استعراضا لأحدث وأغلى أنواع السيارات، التي يكون أكثرها مستأجرا باليوم، ومخوزر بين البنات والشباب. وهناك هبة جديدة طغت على مرتادي هذا الشارع وهي الرقص وتبادل الأماكن عند إشارات المرور. وهذا ما شاهدته عند الإشارة التي تقطع منطقة النزهة عن القادسية في عز الزحمة، إذ نزلت احداهن ممن ينتمين الى حزب «لا للمشط»، وأخذت مكان صديقتها بالسيارة مع القاء نظرة خاطفة على المتعطشين من مرتادي هذا الشارع. أما عن الرقص فحدث ولا حرج، إذ سبق ان تحدثت عنه.
وفي هذه الأيام من الشهر الفضيل يسلك مرتادو شارع الحب مسلكا «إسلاميا» مراعاة لحرمة هذا الشهر (جزاهم الله ألف خير)، فتجد البنات خفضن من صوت المسجل العالي والتهزز بالسيارة، وخففن من وضع الماكياج ونفش الشعر عند إشارات المرور. وكذلك الحال بالنسبة للشباب تجدهم قللوا من «المهايل والمشاخط» في شارع الحب واكتفوا بالوقوف والاستعراض في مواقف جمعية الضاحية، كما أنهم مراعاة لمشاعر المسلمين والشهر الفضيل اكتفوا بالترقيم عن طريق BP حتى ينتهي الشهر ويعاودوا نشاطهم المعتاد.
هذا بالنسبة للمناظر المنتشرة في شارع الحب الذي يقصده القاصي والداني، فتجد ان الذي بيته بقلعة وادرين لا بد أن يمر بهذا الشارع حتى يختم دخول وخروج يومي.
هذا بالنسبة لشارع الحب أما بالنسبة للمشاهد التي يكتظ بها ممشى الضاحية، الذي يطل أيضا على شارع الحب، وتقصده بعض الفتيات ممن «يقدسن بضمير شارع الحب ومرتاديه» حتى يقال عنهن «كوول»، فالمصيبة أكبر وأشد. فهذه النوعية من البنات التي تندرج تحت حزب «غصب ألبس جوسي»، تجدها كتلة من الشحوم تحشر نفسها في «تريننغ سوت جوسي» تقليد ذي ألوان فاقعة، وشعر «نودلزي» مرفوع (يعني مالها خلق)، وملعقة BP وتضع النظارة حتى لو لم تكن هناك شمس، وتمشي بكل جد وعزيمة (يعني أنا اللي ناوية على الريجيم)، وطبعا المشي والضعف ما يصير إلا في ممشى الضاحية. تدرون (جود الله ورحمته) منها تضعف ومنها تلقى لها زوجا زين.
طبعا هذه «الجوسيه» تصل الممشى، وتصفط سيارتها بعيدا حتى لا يراها أحد على أساس أنها من سكان الضاحية وقاعدة تسوي رياضة، وتقعد تمشي حتى «يطلع مخها» وتتأكد أن كل الذين بالممشى راحوا. فتركب سيارتها «الكولت» التي ما بقي دب ولا أرنب ولا هدية وجبة أطفال، لم تعلقها في السيارة، وتمسك طريجها وتذهب إلى بيتها الذي يبعد عن ممشى الضاحية ساعة إلا ربعا. طبعا كل يوم يتكرر هذا المشهد حتى تصل إلى مبتغاها وتصيد «الصقر الثمين» الذي يمكن ان يقع في الفخ ويتزوجها.
عزيزي القارئ هذه بعض النماذج التي يسلكها بعض ضعاف النفوس من شباب وبنات هذا الوقت وهذا الجيل، والتي للأسف تنعكس سلبا علينا كما قلت من قبل. وأقولها الآن ومستقبلا، أنا لست ضد الحرية الشخصية، بل على العكس أنادي بها وبتطبيقها، لكن بحدود ومن دون مغالاة. كما أحب أن أوضح شيئا بسيطا وهو أن الحرية ليست فقط بالتقليد الأعمى للغير، الحرية تكون بالتعبير عن فكر أو رأي أو قضية معينة، وليست تقليدا أعمى يجر صاحبه إلى الوراء.
آخر الكلام
أحب أن أهمس في أذن كل من يقرأ سطوري هذه بأن شهر رمضان ليس شهر صيام عن الأكل والشرب فقط، انما شهر اختبار للنفس وتهذيب للذات، والذي لا يقدر على تهذيب ذاته لا يصم. فبعض التصرفات التي نراها في بالشوارع، خاصة في نهار رمضان، لا تمت الى أخلاق الصائم ولا أخلاق الإسلام بصلة، خاصة عندما تصدر عن ناس يجدر بهم أن يكونوا مثلا أعلى لنا، وأقصد رجال الشرطة ومن يطلقون لحاهم حتى كروشهم، فأنتم مثل يحتذي به البعض.
أتمنى أن يكون رجل الأمن على قدر المسؤولية ولا يستغل وظيفته بالخروج عن الإشارة الحمراء وتعريض أرواح الناس للخطر، وأن يتعامل مع الوافدين بروح طيبة لأنهم بشر وهو في خدمتهم.
أما بالنسبة «لأمهات لحاية» فحدث ولاحرج، فالمسؤولية عليهم أكبر، فعليهم بغض النظر واتقاء الله، وعليهم بالصبر والسلوان خاصة عند إشارات المرور، كما عليهم التقليل من منظر تسويكهم اللاحضاري في الجمعيات، وعند إتمام مراجعاتهم الرسمية.