قالت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية إنه في السنوات الأخيرة قوبلت الانتقادات للإسلام باحتجاجات عنيفة ومتكررة، ورأت أنه لفهم سبب ذلك ينبغي معرفة ما أصل هذا الشعور بالظلم المتولد داخل شعوب العالم العربي؟
فكثير من آراء الغرب تجاه الإسلام يقابلها ألم وسخط نابع من شعور عميق ودائم بالإهانة، نظرا للهوة الواسعة التي تفصل بين تاريخ عظيم وواقع مؤلم.
وأوضحت أن هناك هوة بين تاريخ إسلامي وعربي مشرف وبين واقع لا يعكس ما كان عليه العرب من تفوق وازدهار، وأشارت إلى خروج العرب من شبه الجزيرة العربية في القرن السابع حاملين الإسلام من المغرب إلى إندونيسيا، واجتاحوا الإمبراطوريتين البيزنطية والفارسية، ثم عبروا مضيق جبل طارق إلى الأندلس، وهناك صنعوا حضارة رائعة أثارت حسد الدول الأوروبية. لكن سرعان ما تهاوت مع الغزو المغولي مرورا باجتياح الأتراك العثمانيين للدول العربية ليبدو للكثيرين أن العرب باتوا خاضعين لغيرهم من الشعوب.
وتابعت أن الغرب اعتقد أنه السبب في نقل إنجازاته العسكرية والإدارية والفكرية المتفوقة إلى العرب بعد تدهور حضارتهم، فانتقص من براعتهم وسخر من معاملتهم التقليدية للمرأة والفصل بين الجنسين، معتبرا أن ذلك من الأسباب التي أصابت المجتمع العربي بالشلل والركود.
لكن الصحيفة قالت إن العرب يعلمون جيدا نقاط ضعفهم، وهناك الكثير من الشباب العربي اليوم يفخر بثقافته وتاريخه، لكن يشعر بخجل كبير من واقع مؤلم ومن حقيقة أن أكثر من 300 مليون عربي سقطوا في هوة ركود اقتصادي وتدهور ثقافي.
وذكرت الصحيفة أمثلة على أفعال مستفزة أثارت غضب المسلمين عبر التاريخ الحديث، كان أشهرها منذ نحو عقدين، حين أصدر سلمان رشدي، الكاتب المسلم المولود في الهند، كتاب «آيات شيطانية»، وهو عمل روائي أهان الإسلام والمسلمين، وكانت بداية الأزمة بحرق نسخ من الكتاب في بريطانيا، تبعتها احتجاجات في باكستان بلغت ذروتها في إيران، حين أصدر آية الله الخميني فتوى بإهدار دم المؤلف عام 1989. وكشفت هذه الأزمة مدى ما يمكن أن يسببه العداء للإسلام من اضطرابات وعنف عبر أنحاء العالم.
وفي عام 2004، قام الهولندي من أصول مغربية محمد بويري بإطلاق النار على المخرج الهولندي ثيو فان جوخ الذي أخرج وقتها فيلما قصيرا ينتقد الإسلام. بعدها بفترة وجيزة واجهت الدنمارك غضبا عارما بعد قيام إحدى صحفها بنشر رسوم كاريكاتيرية مسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، ولم يكن أحد من محرري الصحيفة يعلم أن هناك نشطاء مسلمين مطلعين على مثل هذه المواد، وأن الحكومات العربية حريصة على الدفاع عن الإسلام، حيث دعا النظام السوري وقتها رجال الدين لمهاجمة الحكومة الدنماركية فضلا عن إغلاق السفارات الدنماركية في دمشق وبيروت، وظهور دعوات لمقاطعة المنتجات الدنماركية، مما عرض الدنمارك لعزلة نسبية من الدول الإسلامية.
أما فيما يتعلق بموجة العنف الأخيرة، فاعتبرت الصحيفة أن الفيلم مبتذل وعدواني ومسيء بالفعل، لكن ما أسهم في سرعة اشتعال غضب المسلمين هو تورط يهود في إنتاجه، فالمؤلف أميركي إسرائيلي ونال دعما من 100 رجل أعمال يهودي. وقالت إنه ليس من الصعب تجميع حشود من المتظاهرين الشباب في مدن العالم الإسلامي المزدحمة، وكثيرا ما تكون السفارات والقنصليات الأميركية كالمغناطيس لهؤلاء الشباب الغاضبين الساعين للتغلب على مغريات الغرب وأميركا. وأشارت إلى أن الهجوم الذي وقع في بنغازي وراح ضحيته 4 دبلوماسيين أميركيين بمن في ذلك السفير كريستوفر ستيفنز، بدا أنه متعمد وليس له صلة بالاحتجاجات التي أثارها الفيلم.
وقالت الصحيفة في النهاية، إن الرئيس الأميركي جورج بوش اعتقد أن قرب أميركا من الديكتاتوريات العربية سبب لها عداء الجهاديين. وأصبحت حملته العسكرية في العراق محاولة لإصلاح هذا البلد وما وراءه.
لكن العرب رفضوا تدخله وأجندته المزعومة لتحقيق الحرية كغطاء للهيمنة ولحرب لا تحظى بشعبية. وتبنى الرئيس أوباما نهجا مختلفا، وكان على يقين من أن سيرته الذاتية خلال السنوات التي قضاها في إندونيسيا وتعاطفه مع تطلعات الدول الإسلامية، من شأنها أن تساعده على إصلاح العلاقات بين أميركا والعالم الإسلامي، ولكنه وقف حائرا بين التوفيق مع الحكام ومع الناس العاديين.
وقد كشفت ثورة المعارضة الإيرانية في صيف عام 2009 عيوب هذا النهج، ثم جاء الربيع العربي ليدمره، ومنذ ذلك الحين لم تعد إدارة أوباما قادرة على أن تقرر أن تدافع عن الوضع الراهن أو عن شباب عاقد العزم على إسقاط أنظمة بلاده الديكتاتورية.