جريدة الرؤية : 8/11/2009
إن مما لا شك فيه أن الغزو العراقي ترك في نفوس الكويتيين جروحا عميقة وغائرة من الصعب تجاوزها، لذا تعتبر الديون العراقية من الأمور بالغة الحساسية خاصة على المستوى الشعبي، ونظرا لأن الحكومة لا تستطيع التصرف من تلقاء نفسها في موضوع الديون لأن الدستور يلزمها بالعودة إلى البرلمان، فالمؤشرات كلها تؤكد أننا مقدمون على معركة محتدمة بين الحكومة والمجلس بخصوص مقترح تحويل الديون العراقية إلى استثمارات، وهذا ما يمكن أن نعتبره رد فعل طبيعيا لوجود ممانعة نيابية، حيث من المتوقع أن تشهد جلسة مناقشة ديون العراق أجواء ساخنة تفتح الاحتمال لتفاعل نيابي سلبي غير مسبوق ربما ينتهي بمقايضة حكومية – نيابية بإسقاط ديون المقترضين، ولكن لزاما علينا أن نؤكد أن بناء الدول يحتاج الى قرارات صعبة، ومعالجة حكيمة، ورؤية مستنيرة سديدة، فالحكومة تحتاج في الوقت الراهن إلى الدعم الشعبي قبل الدعم النيابي، ومن الأفضل أن تقوم الحكومة بتهيئة الأجواء لنقاش عقلاني قبل خوض الجلسة العلنية للنقاش.
سأقوم اليوم بتحويل الخلاف الحكومي – النيابي المحتمل إلى نقلة نوعية من الحوار الموضوعي المتوازن حول التعاطي مع قضايانا السياسية الخارجية والتي تؤثر بشكل رئيسي في التنمية الكويتية وتعيق مساراتها، حيث إن أول معيق للتنمية الكويتية هو عدم استقرار الوضع مع دول الجوار، سأحاول من هنا أن أساهم في نقل الخلاف في قضية الديون والتعويضات العراقية إلى فضاء فكري استشرافي لمستقبل الكويت والعراق لفتح منافذ جديدة للتعاون بين البلدين، حيث ان ملابسات مرونة الموقف الحكومي الخاص بالديون العراقية لا يمكن فهمها إلا بعد أن ترددت أنباء تؤكد أن أميركا صادقت على اتفاقية التحالف الاستراتيجي العسكري مع العراق في شهر يوليو الفائت، حيث اشترط الجانب العراقي للموافقة والتصديق على هذه الاتفاقية إخراجه من البند السابع مقابل موافقته على هذه الاتفاقية، لذلك استدركت الحكومة الكويتية أمرها وقامت بالتفاوض لتحويل هذه الديون إلى إستثمارات خارجية، فهي تبلي بلاء حسنا في التفاوض مع العراق حول هذه الديون للتوصل إلى حلول ترضي البلدين دون نزاع، وتضمن للكويت حصولها على ديونها المستحقة بدلا من محاولة إسقاطها بطريقة أو بأخرى بمباركة أميركية، فالحكومة الكويتية الآن بأمس الحاجة للإسناد والمؤازرة النيابية فيما يتعلق بتحويل ديون العراق لمشاريع استثمارية واختيار المناسب بشأنها.
ولعلكم معي بأن الواجب يقتضي اقتناص كل الفرص والاستفادة من تجارب الدول، ومن رحم التجربة قفزت إلى الذهن اتفاقية السوق الأوروبية المشتركة عام 1957 بمقتضى «معاهدة روما»، هذه التجربة الناجحة التي أدت لربط مصالح الدول الأوروبية وخفضت من احتمال الصدام فيما بينها، حيث أصبحت فكرة السوق الأوروبية المشتركة أكبر مشروع وحدوي ديموقراطي في العالم، فالحكومة تعمل تحت الشمس حيث تتجلى فيها روح الشفافية والعلنية وهذا القرار يحسب للحكومة الكويتية لسعيها الحثيث لاستعادة هذه الديون رغم كل الضغوط التي تتعرض لها في الداخل والخارج، لذا يجب على السلطة التشريعية ألا تقف حجر عثرة في طريق المساعي الحكومية، وعليها أن تسعى للتعاون لا التصادم لاستمزاج حلول منطقية لكل المشكلات العالقة مع العراق بما فيها قضية ديون العراق حيث ان هذا التعاون بلا شك سيثمر انتزاع الحق الكويتي، وأنصح الجانب الكويتي قبل الموافقة على تحويل الديون لاستثمارات أن تشترط على الجانب العراقي إنهاء المشكلات الحدودية بين البلدين المحسومة بقرارات دولية، على أن تلتزم العراق بترسيم الحدود البحرية، وصيانة أعمدة الحدود بين البلدين، وحل مشكلة المزارع العراقية في الأراضي الكويتية على أن تكون هذه الاتفاقية تحت مظلة الأمم المتحدة، والنصيحة الأخرى على الحكومة أن تعطي الفرصة لصغار المستثمرين للاستثمار في العراق لكي تكسب التأييد الشعبي الكامل.
ربما طغى الرأي الشخصي على مقالي اليوم، لكنني أجد لنفسي عذرا كمواطنة تمتلك مثلكم جرعة حب زائدة للكويت في هذا الإقحام، فنحن نعلم أن المهمة ليست بالسهلة على الجانبين الحكومي والنيابي، ولكن عاهدنا أنفسنا أن نرفع أصواتنا ليسمعنا الجميع ونقتنع بأننا أدينا واجبنا الوطني وقدمنا النصيحة بنية خالصة، فقد مل الناس من العرقلة النيابية التي تعمل باتجاه مغاير يعرقل قوة اندفاع الحكومة ورغبتها في التنمية والتطوير ويجعلها تفرغ جزءاً كبيراً من طاقتها ووقتها في الدفاع عن أجندتها ورؤيتها للرد على المشككين، فقد مل الناس من المعاكسة النيابية بعد أن تحولت وسيلة لرفع العتب أو تقليدا برلمانيا أدمنه البعض لمجاملة هؤلاء أو كسب ود أولئك أو عقاب هذا أو إسكات ذاك وهذا لا يخفى على أحد، ولكي ترجع شمس التنمية تشع بالعافية على بلدنا من جديد نقول لكل من يريد أن يقف في وجه التنمية سنكون بالجوار ولن نرحمكم من النقد والتعرية، وسنقارع الكذب والدجل بالحجج الدامغة، فأمن واستقرار الكويت ودول الجوار مطلب وطني في هذه المرحلة، ويصب في مصلحة الدولة العليا، فنرجو ألا يزايد أحد على أمن واستقرار ومصلحة الوطن.
يعطيج العافية وأثني على كلامج ، على الأقل خلنا نحافظ على باقي الديون ونضمن فلوسنا ( باجيه ولا يبات )