أثارت دراسة أجراها العالمان البريطانيان “فراين البرغ, وبراون سميث” حول الزواج الثاني للرجل جدلاً واسعًا حيث كشفت نتائجها عن أن ارتباط الرجل بامرأة أخرى, يزيد من اشتياقه لزوجته الأولى, ويحسن من علاقتهما الزوجية, ويعيد اليها النشاط والود من جديد وعللت النتائج ذلك بأن الرجل بطبعه يمل من العلاقة الزوجية بعد فترة, حيث يصاب بالفتور, ويدب بينه وبين زوجته ما يسمي ب”الخرس الزوجي”.
في حين ووفقا لهذه الدراسة التي أجريت على أكثر من سبعمائة حالة, أن الزواج الثاني للرجل يجدد علاقته بالأولى ويبعد الملل و( الفتور ) عن حياتهما الزوجية, وبالتالي فهو يعود بالنفع على الزوجة الأولى, حول تلك الدراسة ونتائجها يدور التحقيق التالي:
تؤكد صفاء محمد – متزوجة 35 عامًا- أنها من المستحيل أن تقبل بزواج شريك حياتها بأخرى, لذلك اشترطت في “عقد القران” ألا يجلب لها ضرة. لأن ذلك يمكنه أن يسبب لها ألمًا نفسيًا كبيرًا, ومن الصعب أن تعطي المرأة حياتها لرجل يقاسمها نصف اهتماماته مع أخرى, واذا حدث وقرر زوجها الارتباط بأخرى, فسوف تطلب الطلاق.
أما هدي أحمد – متزوجة 38 عامًا فتقول: سمحت لزوجي أن يتزوج من أخرى ذات خلق ودين, وقد اخترتها بنفسي, لأني أعاني من العقم, وقد قضيت سنوات كثيرة أتلقى العلاج من أجل الانجاب بلا جدوى, فهي مشيئة الله, وما دفعني لذلك هو حبي لزوجي حتى لا أحرمه من نعمة الأبوة, خاصة وأن أهله كانوا يلحون عليه كثيرًا في الزواج للانجاب.
الا أنني رغم اهتمامي باختيار زوجة له ذات خلق, وجدت أن حياتنا الزوجية تأثرت, وبدأت الثانية في الاستئثار بزوجي, مستغلة أولادها في الضغط عليه, وكثيرًا ما كانت سببًا في افتعال المشكلات بيننا, حتى أنها تمارس حاليا الضغط عليه لكي يطلقني.
•غير منطقية
وحول آراء المتخصصين في تلك الدراسة, يشكك د.سعيد عبد العظيم -أستاذ الطب النفسي بالقصر العيني- في صحتها ودقة النتائج التي توصل اليها كل من “فراين ألبرج”, و”براون سميث” مؤكدا أنها غير منطقية بالمرةخاصة أن تلك النتائج قد تختلف من دولة لأخرى وفقًا للمكون الثقافي.
والعامل المجتمعي هنا له دور كبير ومؤثر في تلك الحالة, ففي مصر مثلاً نجد أن تعدد الزوجات أمر نادر الحدوث, وغالبًا ما يكون الزوج مدفوعًا الى الزواج الثاني اذا كانت زوجته الأولى لا تنجب, أو لديها مرض يمنعها من ممارسة العلاقة الزوجية. ويرجع ذلك الى أن النسيج الثقافي المصري يختلف عن المشهد الثقافي في دول الخليج, التي كثيرًا ما يحدث فيها تعدد الزوجات. وعلى المستوى الاقتصادي نجد أن معظم الأسر المصرية أقل في الدخل من بعض الدول العربية الأخرى خاصة بلدان النفط. لذلك فان الراحة الاقتصادية في الخليج تدعم فكرة تعدد الزوجات من أجل المتعة. وبشكل عام فالزوج الذي يرغب في التعدد, دائمًا ما يبحث عن أخرى تعوضه عما يفتقده في زوجته الأولى وقد يكون المفتقد فيها, الجمال, والاهتمام بالمظهر, أو قد تكون غير محبة له, وغير قادرة على رعايته والاهتمام به, أو ليس لديها القدرة على الانجاب, وهو ما يُشعر الرجل بالقلق وافتقاد الاستقرار, والسكينة المفترضة في الحياة الزوجية, ومن هنا يبحث عن أخرى.
ومن الضروري لكل زوجة أن تعرف بفطنتها طبيعة زوجها, وما يريده منها تحديدًا وأن توفر له الجو المناسب والحياة الهادئة حتى لا يبحث عن ثانية تعوضه عما يريد.
وبخلاف ما يفتقده الزوج في زوجته هناك بعض النماذج السلبية من الزوجات مثل الزوجة “النكدية” التي تفتعل المشكلات. وهناك “الثرثارة” وشديدة الغيرة والشك, فكل تلك الصفات السلبية تدفع بالحياة الزوجية نحو الفتور, والملل, لتتحول من فكرة الاستقرار والتكامل والهدوء الى مشكلة “الخرس الزوجي” وتقع المسؤولية في تلك الحالة على عاتق الزوجين معًا.
ومن أسباب “الخرس الزوجي” وفتور العلاقة الزوجية افتقاد كل طرف لأمر ما في الآخر, أو عدم وجود تفاهم بينهما, لاختلافهما في المستوى الاجتماعي, والثقافي, والتعليمي, كما أن تنافر الطباع الشخصية أو تباعدها, يزيد من توتر العلاقة. وقد تكون الحياة الزوجية جيدة حتى تمر المرأة بفترة الحمل والولادة وبعدها تنشغل بتربية الطفل, وتهمل العناية بنفسها, ويزيد وزنها بشكل كبير, ويقل اهتمامها بزوجها, وفي تلك الحالة يتسرب اليهما النفور الجنسي. ويقع على عاتق الزوج أيضا مسؤولية ذلك الفتور فالزوج الذي يهمل زوجته, ولا يهتم بها, ولا يحرص على مجاملتها, أو دائم الصمت, أو الشكاك, أو الخائن والغير منضبط أخلاقيًا, وصاحب الطباع السيئة يدفع زوجته الى النفور منه.
ويرى “د.سعيد”أن الزواج الثاني في تلك الحالة, ليس بالضرورة أن يوفر للزوج الاستقرار والراحة المنشودة. فبعض الرجال تزداد لديهم الرغبة الجنسية ولا يوجد لديهم حد أو ضابط لرغباتهم وشهواتهم, وهم محبون للتغيير الدائم, وشغوفون بالجديد واذا ما كان مقتدرًا من الناحية المادية سعي الى تعدد زيجاته, بل انه ربما يطلق أكثر من مرة من أجل أن يتزوج من جديد.
وعلى عكس ما توصلت اليه تلك الدراسة فان الزوجة الأولى عندما يتزوج شريكها من أخرى تتضرر نفسيا من ذلك, ويتضاعف الأمر في الغالب معها لتصاب بالاكتئاب, وقد تستخدم أبناءها ضد أبيهم, في محاولة الضغط عليه, من أجل التخلي عن الزوجة الثانية.
وهذا الأمر ليس بجديد, فهو ضارب في السيرة والتاريخ الاسلامي فعلى بن أبي طالب – رضي الله عنه – عندما أراد أن يتزوج على السيدة فاطمة الزهراء – رضي الله عنها – فان الرسول – صلى الله عليه وسلم – رفض ذلك, وصعد المنبر وقال: “ان بني هشام بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن لهم, ثم لا آذن لهم, ثم لا آذن لهم, الا أن يحب بن أبي طالب أن يطلق ابنتي, وينكح ابنتهم فانما ابنتي بضعة مني, يريبني ما رابها, ويؤذيني ما آذاها”.
فقد أباح الاسلام تعدد الزوجات ولكن بضوابط, واشترط لذلك تحقيق العدل بين الزوجات وهو أمر يصعب تحقيقه. وان كانت هناك حالات استثنائية فقط ينجح فيها هذا الأمر حينما تكون الزوجتان على قدم المساواة, وفي عمر الشباب, عندها تنشأ بينهما منافسة على اسعاد الزوج, قوامها الغيرة, فكل منهما ترغب في الاستئثار به لنفسها.
•مسألة نسبية
وتقول د.ايمان جلال – أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة حلوان: هذه الدراسة تفتقد الى الواقعية, وغير منطقية على الاطلاق لأن الزواج الثاني ومسألة تعدد الزوجات, عملية نسبية, وتختلف من مجتمع لآخر ففي المجتمعات الغربية لا نجد على الاطلاق هذا الأمر.