جريدة القبس : 11/5/2009
كتبت روابي البناي:
الفوندو هي كلمة فرنسية الأصل سويسرية النشأة آسيوية الاستخدام وتعني التغميسة بالشي المذاب، فالفرنسيون استخدموها للجبنة السائحة والسويسريون استخدموها للحوم والآسيويون استخدموها للخضار وبعدها انتقلت العدوى الى الشوكولاتة السائحة التي تذوب بالفم وتجعل الفرد يأكل بنهم وشراهة ولا يشعر بنفسه.. عندنا في الكويت كل شي «هبّة» يعني تجد الجميع ينشغل بالشي نفسه لفترة محددة وبعدها ينسى هذا الشي ويلهون بشي ثاني، والفوندو ومقاهي الفوندو هي هبة هذه الأيام، وذلك لأن معظم الشباب «الكوول» من الجنسين يتسابقون للجلوس بهذه المقاهي منذ ساعات الصباح وحتى الظهر وبعدها يتناوب أصدقاؤهم لأخذ مقاعدهم بالمقهى حتى لا يفوتهم شي فيبدأ «الشفت» الثاني والذي يكون من العصر وحتى صلاة العشاء، واخيرا يكون ختامها مسك مع «شفت الليل» والذي يبدأ منذ الثامنة وحتى منتصف الليل، وبذلك يكون أخبار هذا المقهى في متناول يد الشباب حتى لا يفوتهم فائت.. وطبعا حمى مقاهي الفوندو اصبحت هم الكثير من البنات خاصة أن الشباب الذين يرتادون مقاهي الفوندو هم الشباب «الكول» «الكشخة» «الهيب بالكويت» وبالتالي تجدها تستذبح للفت نظر هذا الشاب والفوز بنظرة اعجاب منه.
انا للأمانة من عشاق الفوندو ومن عشاق هذه المقاهي ولكن كل شي بالاعتدال ممتاز فأنا لا أذهب الى هذه المقاهي أربعا وعشرين ساعة، ولا أذهب بقصد التخزز ولفت النظر ولكن أذهب لكي أعيش حياتي مع الفوندو اللذيذ المصاحب للفراولة والكوكيز وانسى الدنيا وانا اغمس ولا أصحو إلا على صوت النادل الذي يعرض عليَّ خدماته بملء الماعون مرة ثانية فأرد عليه بكل استحياء بنعم.. وكما ذكرت لا أنكر أن الفوندو إدمان وعشق ولكن في الوقت نفسه لا يصل الى درجة التحكم وإقرار مصير. طبعا عزيزي القارئ سوف تقول بقرارة نفسك ما دخل الفوندو بتقرير مصير؟ وأنا لن أدعك تفكر وتتعب نفسك سوف أقول لك ما العلاقة بين الفوندو وتقرير المصير هذه الأيام والذي للأسف- وأقولها بكل حسرة- أن بعض بنات بلدي الحبيب باتوا في قمة السطحية والسخافة حين يربطون مصيرهم ومستقبلهم بالفوندو.
محسن الهادي وريم اللوية؟
عبدالمحسن شاب في أواخر القرن الثاني من عمره، مثقف خريج جامعة الكويت، يعمل في إحدى شركات الاستثمار الكبرى بالكويت، يحب الاطلاع والقراءة، وأهم من هذا كله انه «ليفربولي حتى الصميم»، لديه اهتمامات أخرى كممارسة الرياضة بكل أنواعها، عبدالمحسن هو الأخ الأصغر لثلاث بنات وولدين كلهم متزوجون عداه ولذلك فهو يواجه حربا شرسة من والدته وباقي اخوانه بالاستعجال بالزواج لكي تكتمل فرحة العائلة بدخول محسن القفص الذهبي، وفعلا رحب محسن بالفكرة وأبدى لوالدته موافقته المبدئية على فكرة الزواج شرط أنه هو من يختار شريكة حياته لكونه هو الذي سوف يعيش معها وهو الذي سوف يتقاسم حياته ومستقبله معها وليس والده ووالدته وإخوته، ولله الحمد أن والدة محسن إنسانة مثقفة وواعية ومتفهمة، والأهم من هذا كله أنها واثقة باختيار فلذة كبدها، ولذلك تركت له حرية الاختيار، ومن تلك اللحظة بدأ محسن البحث عن شريكة حياته المنتظرة، وبعد فحص وتمحيص دقيق وجدها، فهي زميلة له في الشركة نفسها ولكن في قسم ثان، جميلة، بنت عائلة كبيرة لها ثقلها المادي والاجتماعي في المجتمع، مثقفة، متعلمة، محبوبة بين زملائها، فرقَّ قلبه لها واستلطفها، فقام بالتحدث معها وإبداء رغبته بالتقدم لخطبتها فوجد من جانبها القبول، وفعلا ذهب محسن الى والدته وهو في قمة الفرح والسعادة يطلب منها أن تقوم بالاتصال بوالدة زوجة المستقبل ريم وأن عليها أن تحدد موعد زيارة الخطبة بأسرع وقت ممكن، وتم الاتصال وتمت الخطبة.. ومضت أيام الخطبة في أولها وهم سمن على عسل وليس أي عسل إنما العسل الدوعني اليمني الأصلي، ولكن بعد مرور أسبوعين على الخطبة بدأت الظواهر السلبية تصحو من سباتها والتي كانت تغط في عقل وشخصية ريم، فبدأت تمل من اتصالات محسن وبدأت تمل من المسؤولية التي وجدت نفسها ارتبطت بها وهي غير مهيأة في الوقت الحالي، ولكنها كانت تواسي نفسها بأنها سوف تتعود وتتأقلم مع الوضع الجديد، وأن عليها أن تجاري الأوضاع ولا تأبه للمتغيرات التي حلت بها وفعلا بدأت تمارس حياتها الطبيبعة وتخرج مع صديقاتها كالمعتاد كل يوم للمجمعات والمقاهي والمطاعم، ومحسن ساكت لأنه ينشد سعادة ريم وفي يوم الخميس وتحديدا تمام الساعة التاسعة ليلا كانت المفاجأة عندما اتصل محسن بريم يسأل عنها لكونها لا ترد على اتصالاته ولا مسجاته طوال اليوم، فباله كان مشغولا فاتصل يسأل لعل المانع خير، والحمد لله أن قلب ريم حن ورقَّ على محسن المسكين وأجابت على اتصاله وهي في قمة ضجرها ومللها من اتصاله، إذ كان الوضع العام للمكان الذي تجلس فيه قمة «اللوية» والوناسة في نظرها ولا وقت لديها لكي تضيعه بإجابة على مكالمة محسن وعقده، فقالت لصديقات الشلة اللاتي كن بصحبتها: واي هذا إشيبي اللزقة ذبحني فردت عليها إحدى صديقاتها ردي وقوليله ماني فاضية باجر ولا عقب باجر ارد عليك واخذوا يضحكون ومحسن المسكين مازال على الخط، وبعد مرور ربع ساعة على الاتصال المتكرر من محسن ردت ريم بكل وقاحة وضجر ودار بينهما هذا الحوار:
ريم: ألو نعم.
محسن: هلا ريم حبيبتي.
ريم: هلا فيك خير في شي؟
محسن: شاغلتيني عليج من الصبح وأنا اتصل فيج وما تردين؟
ريم: كنت مشغولة.
محسن: شمشغولة فيه؟
ريم: كنت معزومة على الغدا عند جوجو وهو اسم الدلع لاحدى صديقاتها، بعدين طلعنا رحنا الأفنيوز سوينا shopping، بعدين دخلنا movie، والحين أنا مع الشلة في chocolate cafe.
محسن: شنو يعني chocolate cafe؟
ريم: شنو إنت من صجك ما تعرف شنو يعني chocolate cafe إنت عيل شلون عايش بالدنيا؟ واااي حدك داثر!!!!
محسن: يعني شنو قوليلي فهميني.
ريم: ما عندي وقت افهمك، تبي تعرف تعال وشوف بنفسك.
محسن: خلاص دليني وين وانا الحين ايي واشوف.
وفعلا قامت ريم بوصف الطريق لمحسن كي يصل إلى المقهى المشهور وجاء محسن بصحبة أحد أصدقائه، فكانت الصدمة القوية لصديقات ريم، والصدمة الأقوى لمحسن، فالصدمة بالنسبة لصديقات ريم كون أن محسن «امتبتب» وما عنده «عضلات»، يعني مو «ستايل»، والصدمة لمحسن كون أن خطيبته تجلس في وسط الزحام الشديد واللوية والشباب في مثل هذا الوقت المتأخر من الليل وفي هذا المكان وبصحبة مجموعة من البنات فقط. طبعا الشرار كان يتطاير من عين محسن الذي طلب من ريم بكل هدوء أن تخرج من هذا المكان في الحال لكونه «محافظا» ولا يحب أن تجلس زوجة المستقبل لوحدها في ساعة متأخرة من الليل في مثل هذا المكان لوحدها، فلو كانت معه لا يهم، وهنا بدأت شرارة الغضب تتولد بين ريم ومحسن فريم متمسكة ببقائها مع صديقاتها ومحسن يريدها ان تخرج ولكن إرادة النساء هي التي فازت بالجولة. وطبعا خرج محسن بخفي حنين يجر أذيال الحسرة والخسارة وانتظر أن تتصل ريم فيه لكي تعتذر على فعلتها ولكن هيهات وانتظاره استمر لمدة أسبوعين جاءته والدته في نهاية الأسبوع الثاني بوجه أصفر (مقلدم)، تقول له يما ترا كل شي قسمة ونصيب، والله سبحانه وتعالى مو كاتبلك أنك تعيش مع هذه البنت اللي انت اخترتها، فسألها عن سبب هذه الكلمات الدرامية، فقالت ان والدة ريم اتصلت وقالت ان البنت إرجعت بكلامها وما تبي ترتبط في الوقت الحالي، طبعا محسن لم يقتنع بهذا الكلام وقام بالاتصال بريم لكي يستفسر عن سبب هذا القرار المفاجئ الذي كان صدمة بالنسبة له، فردت عليه بكل برود أعصاب وبكل لا مبالاة بهذه الكلمات التي تنم عن شخصية ضحلة التفكير غير سوية وغير مسؤولة فقالت:
محسن انت مو My type كلش لأنك متين وما تلبس casual على طول دشداشة وغترة، بعدين ما عندك عضلات، والأهم من هذا كله انك ما تعرف الفوندو وما تعرف قهاوي اللوية بالكويت، وانا ماقدر اتزوج واحد مثلك، ميخالف روح شوفلك وحده من ربع «سوق المباركية يا ولد الحجية» تزوجها لأنها اهي اللي تصلحلك.. اوكي يلا باي لأن ما عندي وقت.
محسن مسه التماس حراري كهربائي عصبي ذهني لمدة اسبوع لم يفق منه بسهولة، بسب ما هاله من كلمات سمعها من الفتاة التي كان سيربط مصيره بها وكان سيأتمنها على بيته واسمه وتربية أطفاله ولكن حال لسانه يقول الآن الحمد لله الذي جعل الفوندو ملاذ ريم ذاك اليوم علشان تنكشف الصورة.
هذه احدى الصور التي يمر بها بعض الشباب هذه الأيام من سخافة وتفاهة تفكير بعض البنات السطحي والذي سيطرت فيه المظاهر والتقليد الأعمى على تحديد وتقرير مصير حياتهم للأسف، ولكن يبقى سؤال مهم جدا هل لو كانت ريم وجدت رادعا وصرامة من أهلها وذويها كانت ستتجرأ وتتفوه بمثل هذه الكلمات؟ وهل ستقبل هذه الأم بأن ابنتها ترفض ولدا محترما لا يعيبه شيء فقط لأنه لا يعرف يأكل الفوندو ولا يعرف choclate cafe؟ الصراحة انا شعري شاب من هذه التفاهات التي بدأت تسيطر على تفكير بعض بناتنا وشبابنا، فأنا أقول لهم هذه ليست مدنية وهذا ليس تحضرا وليس style على قولتكم، فالواحد يروح مقاهي ويجلس ويطلع ولكن باعتدال ولا يجعل مثل هذه الأمور التافهة تحدد مصير حياته ومستقبله، فانت يا ريم ومن على شاكلتك بعد 6 أو 7 سنوات من الآن وبعد أن تكبري وتبدأ علامات الزمن تظهر على محياك وكل شي فيك يترهل ويتقلقل هل ستكون لديك الثقة بأن تجلسي في هذه المقاهي طوال يومك كما تجلسين الآن؟ وهل الذين يبحلقون بوجهك ويتغزلون فيك يفكرون بالارتباط فيك؟ فهؤلاء يذهبون الى هذه الأماكن للوناسة والأكل والضحك والتسلية فقط ولكن عند الجد وفتح البيوت يعرفون أين يذهبون.
آخر الكلام
• لم يتبق على موعد الانتخابات إلا خمسة أيام فقط وسوف يكشف النقاب عن الوجوه الجديدة الجميلة إن شاء الله التي ستمثلنا في مجلس الأمة، فاتمنى يا أهلي أن نحسن الاختيار كما قال لنا ولي أمرنا ووصانا، وأتمنى أن نرى امراة فاهمة وواعية ومثقفة متسمتة على الكرسي الأخضر إن شاء الله، وأنا عن نفسي أتمنى أن تكون هذه المرأة هي الدكتورة أسيل العوضي.
• بشار مهندس في قمة الذكاء والطموح والرقي لا يحب الواسطة ولا يحب أن يعامل الناس على حسب مذهبهم ولا عرقهم ولا قبيلتهم يحب أن يعامل ويتعامل من منظور إنسان لإنسان فقط دون النظر للاسم الأخير الذي يحمله الشخص المقابل، كان يعمل في أكبر شركات البترول العالمية خارج الكويت وكان يحظى بجميع التقدير والاحترام والإعجاب بعمله الدقيق، ولكن كما يقول المثل «الغربة مرة» والحنين الى الكويت فتك بقلب بشار ولذلك قرر ان يرجع الى ربوع الوطن الحبيب ويعمل فيه ويعطيه خبرته وذكاءه، وفعلا جاء هذا المهندس الى بلده وأخذ يقدم في الشركات الوطنية وشركات العقود التي تختص بمجاله نفسه، وكانت المفاجأة أنه عندما يذهب ويضع السيرة الذاتية له والتي تشرف أي شخص يحبط ولا يجد أي رد، إلا أن جاء الرد من احدى الشركات يدعونه لإجراء مقابلة وفعلا ذهب وإلا بالمدير يستقبله بوجه متجهم وتناسى أن «الابتسامة بوجه أخيك صدقة» فقال له بالحرف الواحد: انت كبير، (مع العلم بأن بشار عمره 28 سنة)، وخبرتك قليلة، ان شاء الله خل اوراقك ونشوف.. بشار خرج من هذه الشركه وهو يضحك لأنه على يقين أن السبب التافه كوجه هذا المدير لم يكن هو السبب الرئيسي ولكن لأن بشار ينتمي الى المذهب الشيعي والمدير سني ولكون بشار ليس من قبيلة هذا المدير والأهم من هذا كله أن بشار لا يحمل في أخر اسمه أل التعريف التي صارت أكثر من الهم على القلب.. ولذلك نرجو ونرجو ونرجو من اخواننا أعضاء مجلس الأمة الموقر الجدد والذين سوف نبارك لهم فوزهم يوم السبت القادم بأن أول ما يجب فعله هو علاج داء المفاصل المزمن الذي بدأ يفتك بجسد الكويت والذي هو الواسطة التي طغت على كل شيء حتى صارت تساعد على هروب الطاقات الشابة الفريدة من الوطن.